شعار الموقع (Our Logo)

 

 

يغري فوز الجزء الثالث من سلسلة أفلام “ملك الخواتم” بأكبر عدد من جوائز الأوسكار السينمائية لعام 2004 وفي أساسها جائزة أفضل مؤثرات بصرية، بطرح مثل هذه التساؤلات حول الجوائز ومسبباتها ودوافعها وبمحاولة البحث في هذه الظاهرة الاحتفالية السنوية ذات الأثر الكبير في مسيرة صناعة السينما .

تاليا، مجرد محاولة للتأمل في ظاهرة الجوائز السينمائية من خلال تطور علاقتها بأحد فروع صناعة الأفلام، وهو المتعلق “بالمؤثرات البصرية” التي باتت تعتمد على التقنيات الإلكترونية الرقمية المتطورة والمتواصلة التطور يوما إثر يوم .

منذ عام 1939 انضمت جائزة جديدة بشكل دائم إلى مجمل الجوائز التي تتضمنها مسابقة الأوسكار، وهي جائزة أفضل “مؤثرات بصرية” ومنحت في حينه لفيلم “جاءت الأمطار”. قبل ذلك، فاز فيلم “الأجنحة” في العام 1928 بجائزة افضل “مؤثرات”. أما الجائزة التالية في مجال المؤثرات، وقد أعلن عنها فقط ضمن عنوان عام هو “جوائز خاصة”، فلم تمنح إلا في العام ،1938 أي تحديدا بعد عشرة أعوام من الجائزة الأولى.

يعكس تثبيت جائزة “المؤثرات الخاصة” ضمن هيكلية مسابقة الأوسكار السنوية منذ العام 1939 الأهمية المتزايدة في صناعة السينما للمؤثرات البصرية التي تحتاج إلى تقنيات خاصة قابلة للتطوير المتواصل كي يكون بإمكانها تلبية وتجسيد ما تبتكره مخيلات صانعي الأفلام من مشاهد فيها عوالم وأحداث وشخصيات ليست متاحة للتصوير بشكل طبيعي .

من بين جوائز الأوسكار لأفضل مؤثرات بصرية تشكل الجائزة التي منحت في العام 1968 للفيلم الأمريكي الشهير “أوديسا الفضاء 2001” الذي أخرجه ستانلي كوبريك، مرحلة مفصلية في تاريخ الأوسكار لأنها المرة الأولى التي تمنح فيها الجائزة لمؤثرات بصرية في فيلم تدور أحداثه في أجواء الفضاء .

في حينه كان اختيار المخرج لعام 2001 زمنا لأحداث فيلمه بمثابة نبوءة بعصر مستقبلي تتطور فيه التقنيات الإلكترونية، ممثلة بالعقل الإلكتروني، الى درجة تصبح فيها مستقلة بذاتها وقادرة على التصرف واتخاذ القرارات لوحدها بما يجعلها تدخل في حالة صراع حياة أو موت مع الإنسان الذي اخترعها. وكان على المخرج ومصمم المؤثرات الخاصة أن يخترعا مؤثرات تسمح بتصوير أجواء الفضاء وأشكال أفعال الصراع بين العقل الإلكتروني والرواد لا من منطلق تصويرها كإثارة حركية بل بما يخدم أسلوب وفلسفة الفيلم.

كانت جائزة المؤثرات الخاصة هي الوحيدة التي حصل عليها فيلم “أوديسا الفضاء” من بين مجموعة جوائز الأوسكار المتعددة التي رشح لها هذا الفيلم المهم والتي نالها بجدارة. ومن هذه الجوائز التي رشح لها الفيلم آنذاك، ولم يحصل عليها، جائزة التصميم الفني، على الرغم من أن التصميم الفني في فيلم “أوديسا الفضاء” كان في غاية الروعة وخلق من أشكال الفضاء المتخيلة لوحات تشكيلية فائقة الجمال. والتصميم الفني، في مثل هذا النوع من أفلام الخيال، يرتبط من حيث المبدأ بتقنيات المؤثرات الخاصة. غير أنه في السينما عموما ثمة فروقات دقيقة تميز من الناحية الإبداعية في علاقتها مع المشاهدين ما بين التصميم الفني والمؤثرات الخاصة، فالتصميم الفني يحقق الدهشة أو المتعة “الجمالية”، في حين أن المؤثرات البصرية تسعى وراء الإيهام بالواقع وصولا إلى الإثارة الحركية .

كانت نبوءة فيلم “أوديسا الفضاء” بعصر مستقبلي تسود فيه التقنيات على الإنسان وعاء لفكرة الفيلم العميقة النابعة من التأمل في المعرفة الإنسانية عبر التاريخ. فالفيلم بتصويره مجموعة مراحل من تاريخ تطور الإنسان على الأرض، بدءا من اكتشافه المذهل عندما كان في مرحلته “القردية”، إن صح التعبير، لما يمكن ان يحققه له اكتشاف العصا من سيطرة على الآخرين إذا ما استخدمت كسلاح، مرورا بالاكتشافات العلمية المتلاحقة، وصولا إلى غزو الفضاء، كان يريد ان يؤكد فكرة أن المعرفة لا نهائية ولا تتوقف عند حد. ويستخدم الفيلم كرمز مسلة من الرخام اللامع تهبط من السماء إلى الأرض في كل مرة يجد فيها الإنسان نفسه أمام معرفة جديدة، اكتشاف جديد، يقف أمامها مذهولا. ثم ان الفيلم بتصويره للصراع ما بين الآلة والإنسان أراد ان يعطي الأفضلية للإنسان على الآلة وان يجعل التطور العلمي والصناعي في خدمة الإنسان. وقد جسد المخرج ومعاونوه من فنانين وتقنيين فكرة الفيلم بنجاح كبير بما يجعل الفيلم مؤهلا للحصول على كل الجوائز التي رشح لها .

لكن جائزة الأوسكار لم تمنح لكل هذا الفكر العميق الذي تضمنه نص السيناريو والجماليات الفنية والإبداع الإخراجي، بل كانت من نصيب المؤثرات البصرية وحدها، بما يوحي بمفارقة تتمثل في التحيز للمؤثرات التقنية على حساب الفن وللإبهار الحركي على حساب الفكر العميق والجمال الفني .

إلى حد ما، كان يمكن اعتبار هذه الواقعة من تاريخ السينما الأمريكية، بخاصة إذا ما تعاملنا مع جوائز الأوسكار كمقياس، نوعا من الإشارة التي يمكن ان نستدل من خلالها، ولو بشكل غير مباشر، على المسارات التي سارت في شعابها لاحقا اتجاهات صناعة السينما الأمريكية المستقبلية التي تقودها شركات الإنتاج الكبرى، المتمثلة بالاعتماد المتزايد على المؤثرات البصرية والسمعية لخلق الحركة المثيرة والمشوقة بما يجعل من فكرة الفيلم وحكايته وأحداثه مجرد ذرائع للإبهار التقني وليس العكس .

هذا الاعتماد المتزايد على المؤثرات البصرية في الأفلام الأمريكية الضخمة الإنتاج يحتاج إلى أنواع أفلام ملائمة تبرر تقنيات المؤثرات البصرية وتنسجم أو تتواءم معها. ولهذا نلاحظ تكاثر الأفلام التي تنتمي إلى نوع أفلام الخيال العلمي أو تتشابه معها، وتحول بعضها إلى سلاسل فيلمية، سواء منها التي تدور أحداثها في التاريخ السحيق أو في الحاضر وفي المستقبل، وسواء منها التي تروي حكايات وتعالج مواضيع متصلة بالعلوم، او تلك التي تستخدم منجزات تقنيات العلوم الحديثة في أفلام المغامرات وأفلام الرعب خاصة، مثل سلسلة أفلام “روبو كوب”، “الشرطي الآلي” وغيرها من الأفلام السينمائية التي تكون فيها أجساد الأبطال او الأشرار مزيجا مركبا من العقول والأجهزة الإلكترونية واللحم والدماء البشريين .

هكذا، ومن منطلق التعامل مع جائزة الأوسكار كمقياس، يمكن أن نستنتج سبب منح الجزء الثالث من فيلم المغامرات “ملك الخواتم” ليس فقط جائزة أفضل مؤثرات بصرية، بل ومجموعة كبيرة من جوائز الأوسكار وأهمها جائزة أفضل فيلم. ومنح مثل هذه الجوائز مجتمعة لهذا الفيلم، الذي يستثمر صانعوه النجاح التجاري للجزء الأول من سلسلة “ملك الخواتم”، هو عبارة عن منحة تشكل سابقة من نوعها، لأنه لم يحدث من قبل في تاريخ جوائز الأوسكار ان حصل أي فيلم مغامرات خيالية يستمد قيمته طراً من المؤثرات البصرية على هذا القدر الكبير من الجوائز ومنها جائزة أفضل فيلم.

من المعروف ان السينما نشأت نتيجة اكتشافات تقنية متنوعة استفادت من تقنيات سابقة عليها وأهمها تقنية التصوير الفوتوجرافي. ومن المعروف أيضا أن جانبا أساسيا من تاريخ تطور صناعة الأفلام السينمائية يرتبط بالتطور التقني في مراحله الرئيسية الثلاث، مرحلة السينما الصامتة، ثم السينما الناطقة، ثم السينما الملونة. عبر كل هذه المراحل ومنذ التجارب المبكرة والرائدة التي حققها المخرج الفرنسي “جورج ميليه” في السنوات الأولى من القرن العشرين، عندما كانت السينما لا تزال رضيعا في المهد، وعلى رأسها فيلمه الخيالي العلمي الشهير المعنون “رحلة إلى القمر” عام 2091، كانت المؤثرات البصرية ممارسة متبعة في تنفيذ الأفلام، تكثر او تقل بالعلاقة مع نوع الفيلم واحتياجات كل مشهد على حدة، بخاصة إن كان الفيلم ينتمي إلى نوع أفلام المغامرات والحركة أو الخيال العلمي او الكوميديا. لكن المؤثرات البصرية كانت حتى فترة متأخرة من القرن العشرين مجرد وسيلة تقنية مساعدة ولم تكن هدفا وغاية في حد ذاتها على الإطلاق، بخاصة وأن تنفيذ المؤثرات البصرية، حتى في أبسط أشكالها وأكثرها بدائية، كان يحتاج إلى تقنيات معقدة متنوعة ومكلفة وإلى فترة زمنية ليست بالقليلة .

وقد ظل هذا الوضع سائدا إلى أن دخلت صناعة الأفلام في مرحلتها التقنية الرابعة الأكثر تطورا بكثير من المراحل الثلاث السابقة وأكثر يسرا ودقة وسرعة في التنفيذ، وهي مرحلة التقنيات الإلكترونية، الرقمية خاصة، وهي المرحلة التي وصلت فيها المؤثرات البصرية حد الإعجاز فانقلب سحر التقنيات على سحر المخرج وصار عصر السينما الحديثة يتسمى باسمها .

الخليج الإماراتية في  12 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

ما هي العوامل التي تلعب دوراً في منح الجوائز للأفلام؟

السينما في عصر المؤثرات البصرية

عدنان مدانات