شعار الموقع (Our Logo)

 

 

لا يزال الوضع على ما هو عليه كلما خرج فيلم من تحقيق امرأة عربية. فهي اذا ما تطرّقت سينمائياً الى موضوع يعكس إهتمامها بحال بنات جنسها سئلت عن سينما المرأة. وإذا لم يكن الموضوع المطروح له علاقة بالمرأة من بعيد او قريب، سئلت عن السبب الذي لم تصنع فيلما عن المرأة رغم انها إمرأة.

بكلمات أخرى، هناك طريق واحد مقبول من المخرجة العربية او متوقع وهو أن تحقق أفلامها عن النساء. اذا لم تفعل فإن هناك شيئا خطأ يجب على الصحافي او الناقد او المتابع معرفة سببه.

الحقيقة هي أن عدد المخرجات العربيات العاملات في السينما قليل. والحقيقة الأكبر أن عدد السينمائيين الجيدين بأسرهم، نسبة لعدد الأنفس العربية، لا يتجاوز الخمسين (معظمهم لا يعمل). المرأة التي تحقق فيلما كل ثلاث سنوات نسبتها من هذا العدد خمسة او عشرة، وإحداهن، جوسلين صعب، ذاقت الأمرّين قبل أن تجد التمويل والتسهيل اللازمين للبدء في تصوير فيلمها الجديد.

كون العدد قليل، وكون المشاكل النسائية في مجتمعنا العربية متفاقمة (كما هي المشاكل الرجالية تماما) يدفع العدد الغالب من المخرجات العمل على إنجاز أفلام تتعاطى وتلك المشاكل. وحينما قررت المونتيرة مفيدة التلاتلي التحوّل الى الإخراج، وحسنا فعلت، فإن الموضوع الآسر الذي خرجت به هو عن الفتاة الشابة التي تواجه وضعا في البيت التونسي يعكس او يرمز للوضع الأعم وذلك في “صمت القصور”. وأفلام إيناس الدغيدي، وأعتقد أنها أكثر المخرجات غزارة في الإنتاج، كلها نسائية. لأنها لا تزال تواجه أمورا مستعصية تثير إهتمامها واهتمام العديدين حولها.

لذلك كله، السؤال حول وضع المخرجة، اي مخرجة، من سينما المرأة يبدو منطقيا لأنه من الترف الواضح أن تتعامل مخرجة ما، وعلى نحو متواصل، مع مواضيع لا تعرف التفرقة الجنسية. “طائرة من ورق” لرندا الشهال صبّاغ قد لا يكون نسائيا بالمفهوم المتكامل، لكن محوره نسائي وممثله الأول فتاة والضوء الأسطع على شخصيتها. كل ذلك منطقي الى حد بعيد.

حساسية أنثوية

أما الصورة الغربية التي لا بأس من أن تتوق السينما العربية للحلم بها فهي مختلفة. هناك مخرجات عديدات يمارسن الإخراج دائما وتباعا وبمواضيع مختلفة. بعضهن يركز على المواضيع النسائية، لكنهن قلّة. المعظم الكاسح يتعاطى مع قصص قد تثير إهتمام المرأة لكن ذلك لا يعني إنها مخرجة أفلام نسائية. البعض الآخر نراه يقدم على أفلام لا علاقة لها بموضوع المرأة على الإطلاق. كاثلين بيجلو، التي هي من بين أفضل المخرجين إجادة للتنفيذ التقني حاليا هاوية أفلام أكشن وآخرها، “ك 19” خال من العنصر النسائي تماما (بطولة ليام نيسون وهاريسون فورد). وقبله “أيام غريبة” (1995) كان خيال علمي مع دور نسائي مناصف لدور الرجل ولا يتعداه. “نقطة الكسر” (1991) كان من بطولة رجالية (باتريك سوايزي من بين آخرين) و”فولاذ أزرق” (1990) فيلم بوليسي تتقدمه المرأة لكنه ليس فيلما نسائيا.

وكلنا حفظنا ما تردد حين تم ترشيح المخرجة صوفيا كوبولا لنيل الأوسكار، اذ هي أول مخرجة إمرأة يتم ترشيحها ولو فازت لكانت أول مخرجة تنالها. طبعا هي فازت بأوسكار أفضل كتابة عن “مفقود في الترجمة” وعليه تستحق الكثير من التهنئة كونها أنجزت عملا جيدا من ناحية وأحسنت ترويجه وتقديمه الى المشاهدين من ناحية أخرى.

صوفيا تنتمي الى نوع من المخرجات النسائيات اللواتي قد لا يتعاملن مع مفهوم كبير وعام جدا اسمه “سينما المرأة”، لكن لديها في تعاملها مع ممثلتها حساً أنثويا لا يمكن إغفاله. بطلتها هي شارلوت (سكارلت جوهانسون) التي تدخل الفيلم بنعومة ملحوظة. والفيلم يبدأ بتقديم الرجل:فبوب هاريس (بيل موراي) ممثل سينمائي ومسرحي معروف وصل الى طوكيو لتنفيذ عقد إعلاني يتقاضى عليه مليوني دولار.لكن المال لا يُسليه، بل هو سريعا ما يشعر بالوحدة والملل الى أن تدخل حياة هذا الرجل وفي هذا الظرف بالذات شارلوت التي تصل مع زوجها المصوّر الذي جاء أيضا في رحلة عمل وهو مشغول عنها بعمله ما يجعلها المقابل الأنثوي في الإحساس بالفراغ والوحدة والملل.

بوب وشارلوت يلتقيان على نحو تدريجي (يراها على طاولة أخرى، تلاحظه على البار) قبل أن يتلازما في المطعم والبار والشارع ثم في الغرفة. لا شيء مفاجئ يقع من شأنه الهاب الموقف في اي إتجاه. علاقتهما حميمية صادقة ومع ذلك معالمها وحدودها واضحة. لا وهم عند أحدهما إنها ستنتهي. وستنتهي من دون حادث رئيسي او شجار او اختلاف وضع مصيري. لا بوب يشعر بالذنب فيخبر زوجته على الهاتف، ولا زوج شارلوت يلحظ اختلافا في تصرفاتها حياله مما يجعله ينتبه الى شيء.

هذا فيلم عن مشاعر صادقة في لحظات معدودة في قصة من أفضل ملامحها إنها لا تمتد لما قبل او لما بعد. وصوفيا تدير سيناريو كتبته بنفسها إدارة جيدة وهادئة. وحسنا تفعل ابقاء الإهتمام قائما من دون محاولة توسيع رقعة العمل ليشمل اي عناصر جانبية. لكن مهما ذكر فيه عن حسنات المعالجة، الا أنه ليس فيلما نسائيا حتى بالرغم من شفافية كتابتها وإدارتها لشخصية البطلة لديها.

هوليوود المرأة

المرأة في السينما العالمية ليست مخرجة فقط. الاستديوهات الكبيرة في هوليوود عددها سبعة وأربعة منها تحت إدارة نساء: آمي باسكال (كولومبيا)، شيري لانسينج (باراماونت)، ستاسي سنايدر (يونيفرسال) ونينا جاكوبسون (ديزني). هن لا يرأسن كل الشركة التي تمتلك الاستديوهات، بل يكفي أن لديهن الكلمة الأولى والأخيرة في المشاريع التي تعرض عليهن.

الى جانب هؤلاء الأربعة، هناك عدد كبير من النساء اللواتي يعملن في مراكز إنتاجية عليا: سو كرول- مثلا- تدير الفرع العالمي للتسويق في شركة وورنر. ماري بارنت هي شريكة رئاسة الإنتاج في يونيفرسال. في الموقع نفسه في ستديوهات دريمووركس هناك لوري ماكدونالد. وتوم كروز لا يقدم على إنتاج صورة واحدة من دون موافقة شريكته بولا واجنر. ولورا زاسكين من منتجات “سبايدر مان”. اما جيل آن هيرد فهي أشهر من أن تعرّف في هوليوود، لها خلفية تمتد عشرين سنة ومن أفلامها سلسلة “آليانز” وفيلم “الضخم”. كذلك الحال مع المنتجة كاثلين كندي صاحبة نصف ما أخرجه ستيفن سبيلبرج من أفلام.

وهناك مخرجات ومنتجات متعددات في كل أنحاء السينما الغربية. في فرنسا كما في روسيا او بريطانيا او أسبانيا او إيطاليا. ولا أحد يسأل اذا ما كانت سينما هذه المخرجة او تلك “سينما مرأة” أو لا. السؤال يبدو سخيفا لأن الفصل ما عاد قائما. وهو ما عاد قائما ليس فقط لأن المرأة هناك تقدم على أفلام كان من الممكن أن يقدم عليها الرجل، بل لأن الرجل كثيرا ما يقدم على أفلام هي - في التعريف الأساسي- نسائية.

سميرة مخملباف

حينما انطلقت المخرجة التونسية مفيدة التلاتلي لتقدم “صمت القصور” إحتفت بها السينما العالمية لكونها تعرّضت لموضوع نسوي مهم. وكان لمفيدة الحق في التعرّض إليه لكن ليس لأنها إمرأة بل لأن الموضوع مهم ويستحق أن يُطرح بصرف النظر عن جنس مخرجه. لكن الوضع المزري للسينما العربية جعلها تغيب بضع سنوات قبل أن تعود في فيلم آخر (“موسم الرجال”) الذي يطرح أيضا موضوع المرأة. لكن الهالة التي خلقتها المخرجة في فيلمها الأول كانت إنحسرت. فتلك الهالة كانت بحاجة الى حماية... الى فيلم جيد يتبع الأول وفيلم ثالث يركّز إسمها مرة واحدة والى سنوات طويلة. لكن وضع السينما العربية على ما هو عليه من ضعف بحيث مثل هذه الخطط مثل رسم على رمال الشاطيء.

بعد خمسة أعوام من “صمت القصور” وصلت مخرجة من المنطقة الملاصقة. وصلت سميرة مخملباف، بمساعدة والدها المخرج محسن مخملباف. وصلت لتقدم فيلما له تأثير كبير اسمه “التفاحة” يدور حول فتاتين معوقتين صغيرتين. إعاقتهما ناتجة عن الجهل والتجهيل الذي ارتكبه بحقهما أب جاهل بدوره منعهما من الخروج من البيت، من مخالطة اي طرف (رجل او إمرأة) من التعلّم. من حقهما في الثقافة والنمو. خرجتا لا يعرفن كيف المشي في الشارع. لا يعرفن الوقت ولا المال ولا الإتجاه من البيت الى آخر الشارع او العكس.

ما أن ترسّخ هذا الفيلم حتى ألحقته سميرة (التي كانت في الثامنة عشرة حين أخرجت ذلك الفيلم) بآخر حول مأساة معلّمين أكراد يحملون ألواحهم السوداء على ظهورهم ويقصدون القرى النائية لتعليم الأولاد مقابل الأكل والنوم فقط. في “اللوح الأسود” أكدت أنها ليست مخرجة تعرف حساسية بطلتها الأنثى فقط، بل تستطيع أن تتحدث عن الرجال أيضا.

تبع هذا الفيلم “الساعة الخامسة عصرا” الذي عاد مرة أخرى الى موضوع المرأة (الأفغانية) من منطلق تأييدها وسبر غور الظروف القاهرة التي تعيشها.

هذا ما كانت مفيدة التلاتلي او اي مخرجة عربية أخرى بحاجة اليه. تتابع في الإنتاج لجعلها إسما مطروحا وجاذبا لإهتمام المثقفين والنقاد وهواة السينما وصائغي الثقافة الشعبية.

عالم واحد

والغريب في كل هذا أن كل ما نتحدث عنه من حسنات في الدول المجاورة او البعيدة كان عندنا منه. ولن أضيف جديدا اذا ما ذكرت بمنتجات السينما المصرية اللواتي تمتعن بالخبرة والتجربة والإدارة النيّرة، ولا أضيف جديدا اذا ما ذكرت بالمخرجات العربيات من المغرب الى المملكة العربية السعودية (متثملة بالمخرجة الجديدة هيفاء المنصور) مرورا بتونس والجزائر ومصر ولبنان وسوريا والعديد من المواهب النسائية الشابة في الإمارات العربية المتحدة. كل ذلك يدفع الى السؤال الجائز: ما العمل لإنجاح تجارب المخرجات العربيات؟

هذا سؤال بمائة إجابة لكن لعل أهم الإجابات تلك المتعلقة بحقيقة أن الوضع الصعب الذي تمر به السينما العربية ليس حكرا على المرأة بل على الرجل. وفي هذا الخصوص سبق لنا وتحدّثنا أكثر من مرة. لكن اذا ما كان الأمر يستدعي تحديدا لوضع المرأة، فإن لا سينما تستطيع الإقدام عليها من دون أن تكون قادرة على وضع بصمتها على الفيلم.

بكلمات أخرى، اذا ما كانت سميرة مخملباف تستطيع إخراج أفلام عن أفغانستان والأكراد والإيرانيين على حد سواء. اذا ما كانت تستطيع ركوب الأهوال الطبيعية لتصوير أفلامها في جبال معزولة في صحارى مترامية وإذا ما كانت تستطيع أن تحقق أفلامها وهي ترتدي العباءة السوداء ما يعني أن الزي الإسلامي ليس معيقا لها في شيء، لماذا لا تستطيع أن تفعل ذلك كله اي مخرجة عربية حتى لو كانت محجبة. طبعا نتائجها لا علاقة لها بالحجاب. من بين أي عشرة مخرجات جديدات محجبات او غير محجّبات سيكون هناك اثنتان او ثلاث فقط يتمتعن بالمهارة والموهبة والحرفة وحسن الإختيار. الباقيات سيتفاوتن وبعضهن سيعكسن إفتقارا كثيرا. وهذه ليست نسبة أعلى او أقل من نسبتها لدى الرجل. ما يعني أن الأساس الثاني هو الحرية. حرية إختيار الموضوع، حرية الجرأة في الطرح وحرية إشعار المرأة بأنه مطلوب منها أن تتقدم وأن تساهم في صنع العالم الذي نعيشه معا.

الخليج الإماراتية في  11 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

المخرجة عندنا لا بد أن ترتبط أفلامها بقضايا نسائية

"سينما المرأة"

مفهوم عربي لا وجود له عالمياً

محمد رضا