شعار الموقع (Our Logo)

 

 

مارست دور السينما منذ ظهورها في العراق دوراً إيجابياً في بث الثقافة والفكر والوعي الاجتماعي والأخلاقي مع المؤسسات الثقافية والاجتماعية الأخرى، فكانت المكان المفضل للجمهور والعائلة العراقية لمشاهدة الأفلام الجيدة المأخوذة عن أفضل الروايات لكبار الكتاب عالمياً وعربياً، وكان يرتادها جمهور غفير بما فيهم العوائل المحافظة، وكانت هذه الدور تتنافس لعرض أفضل الأفلام التي يستمر عرض البعض منها أسابيع وربما أشهراً لجودة مضمونها مما أدى إلى خلق وعي سينمائي واجتماعي وثقافي وذوق سليم عند الكثير من روادها، واستمرت هذه الدور على تقاليدها العريقة، بحيث كانت تمنع الأحداث من مشاهدة أفلام العنف بحيث لا يسمح بعرض أي فيلم يمس الأخلاق والقيم الاجتماعية النبيلة، واستمرت على ذلك حتى نهاية السبعينات، ومع بداية الثمانينات من القرن الماضي وقيام الحرب العراقية-الإيرانية انحسرت الأفلام الجادة وحلت محلها أفلام الرعب والجريمة وعصابات المافيا مما أدى إلى انحسار كبير في روادها وعزوف العوائل عنها وجاءت مرحلة التسعينات لنشهد أفلاما تبرز دور الفرد الواحد والبطل الأسطوري في الحروب والجريمة والانحراف، مما أدى إلى إفساد الكثير من الشباب وتوجههم نحو ممارسة العنف والجريمة المنظمة.. وبعد سقوط النظام تخلت دور السينما والقائمون عليها عما تبقى من التقاليد العريقة الطيبة التي كانت تنتهجها وأخذت تعرض أفلاماً رديئة جداً وأصبح أكثر روادها من الأحداث والشباب الطائش الذي بدأ يكتسب العادات السيئة والسلوك المنحرف، مستغلين انعدام الرقابة والانفلات الأمني وتشارك دور السينما مئات المحلات التي تبيع الأقراص الليزرية. ومن أجل الإلمام بكل جوانب هذه الظاهرة الاجتماعية المنحرفة وكيفية معالجتها كان لنا هذه اللقاءات مع عدد من المواطنين لاستطلاع آرائهم.

أحمد غايب معلم متقاعد يبلغ من العمر (62) عاماً قال لنا: “كنت ارتاد أحياناً دور السينما في مطلع شبابي نهاية الخمسينات ثم الستينات والسبعينات من القرن الماضي لمشاهدة بعض الأفلام السينمائية المأخوذة من روايات من عيون الأدب العالمي والعربي وبحكم قراءاتي لبعض هذه الروايات كنت أميز هل حافظ معد الرواية للسينما والمخرج على جوهرها أم أخلا أو أساءا إليها، مما كان يضيف لي ولغيري من المشاهدين ثقافة ومعرفة سينمائية، وفعلاً كانت أغلب الأفلام هادفة وضحية للذوق والمعرفة والثقافة ويستطيع المرء أن يميز جودة مضمونها وإجادة الممثلين لأدوارهم، وفرضت السينما الجادة نفسها لتكون أحد الروافد المهمة للثقافة والوعي.. وبعد انتشار موجة أفلام العنف والجريمة وغيرها من الأفلام الهابطة انقطعت عن ارتياد دور السينما، ولكن ما أفزعني حقاً الأفلام الرديئة الحالية في ظل غياب الرقابة”.

فاتن نوح، ربة بيت وخريجة كلية عمرها 32 عاماً، عبرت عن رأيها في هذه المسألة فقالت: “انني لم أدخل داراً للسينما منذ وعيت وذلك لكون عائلتي لم تكن ترتادها وكذلك بعد زواجي، وعرفت من أهلي أنهم كانوا يرتادون دور السينما بصورة مستمرة في السابق شأن بقية العوائل ولكنهم انقطعوا عن ذلك بسبب انحراف دور السينما عن أهدافها، واني أرى أن من واجب الصحافة والدوائر والمؤسسات الثقافية التصدي لهذه الظاهرة لكي تعود دور السينما إلى أهدافها الحقيقية كأحد الروافد الفنية والثقافية للمواطن”.

أما صلاح مهدي جبار، موظف، فقد تحدث عن هذه الظاهرة بالقول: “ان ظاهرة عرض الأفلام الرديئة والأشرطة السيئة مؤشر خطير لما له من تأثير في الجانب النفسي للأحداث والمراهقين وهو يعطل بالتالي تنمية القدرات والقابليات المعرفية والعلمية والاجتماعية، وهذه الأفلام ليست جزءاً من الثقافة وهي تختلف عنها وتهدف إلى تفكيك مجتمعنا العربي بعاداته العريقة المتوارثة عن الآباء والأجداد، كما أنها تقف بالضد لعاداتنا الإسلامية وتعاليم ديننا الحنيف”.

أما شكيب رشيد مدير قسم السينما في دائرة السينما والمسرح فأكد لنا أن هذه الظاهرة تمثل تخريباً للمجتمع وإفسادا للذوق العام وتحطيماً للنشء الجديد ويجب فرض عقوبة بإغلاق دور السينما التي تعرض هذه الأفلام ومصادرة أشرطة الفيديو وإنذار أصحابها من قبل وزارة الداخلية بإمكانية إحالتهم على المحاكم المختصة بعد أن حلت وزارة الإعلام لاجتثاث هذه الظاهرة”.

وأخيراً تحدث الفنان نزار السامرائي الذي بادرنا بالقول: “لقد قرأت سورة الفاتحة على دور السينما العراقية ولعنت نفسي ألف مرة لأني حاولت الدخول إليها متطفلاً لكي أعرف ما تقدم من أفلام وشاهدت ما لم أشاهده في دول أوروبا التي زرتها جميعاً وأنا أسأل نفسي من الذي يجيز لهؤلاء تسويق وعرض هذه الأفلام؟ وانني أطالب المعنيين في وزارة الثقافة بتحمل مسؤولياتهم والسيطرة على استيراد الأفلام ودور السينما”.

وأخيراً وبعد هذه الآراء التي تدين دور السينما ومحلات بيع الأشرطة السينمائية الهابطة فإن استمرار هذه الظاهرة المنحرفة يشكل خطراً يهدد المجتمع والقيم الإنسانية النبيلة مما يستدعي التصدي لها بكل حزم وهذه مسؤولية الجميع.

الخليج الإماراتية في  9 أبريل 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

تقدم الفساد بعد أن كانت تعرض الثقافة

دور السينما العراقية تهدد قيم المجتمع

زيدان الربيعي