شعار الموقع (Our Logo)

 

 

            بدأت القاعات السينمائية المغربية الأسبوع الجاري عرض فيلمين مغربيين لمخرجين يقدمان للجمهور المغربي أول فيلم طويل لهما، يتعلق الأمر بفيلمي "العيون الجافة" للمخرجة نرجس النجار وفيلم "خيط الروح" للمخرج المغربي المقيم في شيكاغو حكيم بلعباس. الفيلمان المغربيان عرفا النجاح في مهرجانات دولية،  إذ شارك "العيون الجافة" في قسم "نظرة ما" بمهرجان "كان" الأخير وحصل على جائزة الجمهور بمهرجان مونتريال بكندا،  وجائزة أحسن سيناريو في مهرجان مراكش الدولي للفيلم، أما فيلم "خيط الروح" فنال جائزة تقديرية في مهرجان البندقية الأخير، وشارك في مهرجانات دولية أخرى.

            الفيلمان، بالإضافة إلى فيلم "ألف شهر" لفوزي بنسعدي، الذي لم يوزع بعد في القاعات السينمائية المغربية، وأفلام المخرج داود أولاد السيد، المحدودة التوزيع، تشكل تحولا كبيرا في السينما المغربية، إذ يقدم هؤلاء المخرجون تصورا مغايرا لمفهوم السينما.

            بتزامن مع هذين الفيلمين تستمر القاعات السينمائية المغربية في عرض ثلاثة أفلام لمخرجين مغاربة وهم سعد الشرايبي بفيلمه "جوهرة" وسعيد الناصري بفيلم "الباندية" وعمر الشرايبي بفيلم "رحمة".

ولتقديم صورة على هذا التحول يكفي وضع مقارنة بسيطة بين هاتين الفئتين. الفئة الثانية، المكونة من الأخوين الشرايبي وسعيد الناصري، اختاروا مواضيع مستهلكة سينمائيا، سعد الشرايبي ركب على موجة الأفلام التي ظهرت أخيرا في المغرب وتتطرق لموضوع الصراع السياسي بين اليسار المغربي والدولة في السبعينات، كانت مقاربته سينمائيا لهذا الموضوع بسيطة، إذ فشل في خلق المتعة السينمائية نتيجة أخطاء كثيرة شملت أساسا "التفاصيل" ومراعاة "تاريخ وقوع الأحداث"، كما أن سيناريو الفيلم بدا مفككا مما أربك المشاهد. إن المخرج لم يفرق بين "المناضل السياسي" والالتزام" كما هو في أدبيات اليسار، بين الإخراج السينمائي، فحاول استغلال تحركات المجتمع المدني المغربي والحركات النسائية، للترويج لفيلم بسيط جدا سينمائيا. أما فيلم "رحمة" لعمر الشرايبي و"الباندية" لسعيد الناصري فاتخدا موضوعا اجتماعيا وقدما للجمهور فيلما بسيطا أشبه بالأفلام المصرية مع مسحة هندية (خاصة فيلم الباندية)، وظف المخرجان تقنيات بسيطة، كاللقطات المكبرة بكاميرا غالبا تابثة لتصوير قصة لا تخرق أفق توقع المشاهد، كما اعتدما على بعض الممثلين المشهورين لحمل "الفيلم" والترويج له تجاريا.

أما الفئة الأولى والمكونة من فيلمي "العيون الجافة" لنرجس النجار و"خيط الروح" لحكيم بلعباس، فأول ما يسجل هو وعيتهما السينمائي بكل ما يقدمانه. كانت نرجس النجار أكثر اهتمام بالموضوع بينما اهتم بلعباس أكثر بالتقنيات السينمائية، خاصة الاشتغال على تقطيع الفيلم وتركيبه.

يثير فيلم "العيون الجافة" قضية البغاء بذكاء كبير، من خلال قرية مكونة من مومسات، وتحال المسنات منهن إلى المعاش بينما يحتفظ بالشابات، وفي هذا العالم تنشأ علاقة حب بين المسؤولة عن تلك المومسات وبين شاب قادم من المدينة، قوة الفيلم نابعة من قوة السيناريو، إذ تحمل المخرجة الجمهور إلى عالم مليئ بالمتناقضات، وما أقحم المشاهد في هذه العوالم هو "لاحياد" المخرجة، إذ اعتمدت كثيرا على اللقطات المكبرة لخلق حميمية بين أبطال فيلمها وبين المشاهد. أما الفيلم الثاني "خيط الروح" فكان أكثر شاعرية من فيلم "العيون الجافة". إذ كان المخرج موقفا في اختيار الفضاء، مدينة صغيرة تسمى "أبي الجعد" على بعد 120 كيلومتر عن مدينة الدار البيضاء. كان هذا الفضاء البطل الرئيسي في الفيلم. فالحكايات الشدرية الست التي يقدمها المخرج يوحدها الفضاء، وهذا الأخير يخلف التواصل الإنساني ذي المسحة الصوفية". وظف المخرج لنقل حكاياته الست ممثلين محترفين وأبناء المدينة الصغيرة الذين لم يسبق لهم أن وقفوا أمام الكاميرا، ونجح إلى أبعد حد في إدارتهم. لم يختر حكيم بلعباس، كما الحال مع نرجس النجار، دفع المشاهد إلى ولوج عوالم شخصياته، بل حافظ على نوع من الحياد من خلال تجنب اللقطات المكبرة. كان يسعى إلى ترك حرية أوسع للمشاهد لتقبل عوالمه الخاصة به

الفيلمان معا لم يشتغلا على موضوعات "مثيرة" أو "كبيرة"، بل ركزا أساسا على تقديم وجهة نظر المخرجين للعالم ونقلا أحاسيسهما (خاصة في "خيط الروح") بطريقة سينمائية جديدة في المغرب. إنهما بصدد القيام بثورة على المخرجين الموجودين حاليا، وسيكون لهذين الفيلمين وفيلم "ألف شهر" لفوزي بنسعيدي تأثير كبير على السينما المغربية، وسيشكل هذا الجيل الجديد منعطفا حاسما بين سينما هاوية وسينما واعية بتقينات الإخراج السينمائي واالكتابة السينمائية.

موقع "إيلاف" في  31 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"العيون الجافة" و"خيط الروح" فيلمان لشابين يشكلان تحولا كبيرا في السينما المغربية

أحمد نجيم