يأتي عرض الفيلم الالماني «وداعا لينين» لينعش المشهد السينمائي المحلي بمزيد من التنوع، وهو العمل الذي قطف ولا يزال الكثير من الجوائز المهمة من بينها ست جوائز عن الدورة السادسة عشرة للفيلم الاوروبي، والتي توازي جوائز الاوسكار الاميركية، عدا عن جائزة افضل فيلم اوروبي في احتفالية جوائز السيزار الفرنسية للعام الجاري. «وداعا لينين» الذي جرى عرضه مساء امس في مركز الحسين الثقافي التابع لامانة عمان الكبرى بالتعاون مع السفارة الالمانية ولجنة السينما في شومان يطرح اكثر من مسألة ملحة تتعلق بجوانب صنعته الذي حققه المخرج الالماني وولفانغ بيكر على خلفية الاحداث السياسية التي شهدتها المانيا في نهاية حقبة الثمانينات من القرن الماضي وعلى خلفية من الكوميديا والدعابة السوداء، اضافة ايضا الى قدرته البارعة في الاستحواذ على اعجاب الجمهور والنقاد بلقياته الفنية الفكرية والممتعة. يحكي «وداعاً لينين» عن تلك الانفعالات والتوترات التي صاحبت تلك الأم التي نذرت حياتها لتدافع عن خيارات بلدها في المانيا الشرقية انذاك تحت الحكم الشيوعي وكيف آثر زوجها ان يهرب الى الجزء الغربي من المانيا تاركا لها ولدين مما حدا بها الى القيام بتربية صارمة تراعي المبادىء الفكرية التي تنادي بها على خلفية نشاطها داخل الحزب الحاكم ولكنها تتعرض الى ازمة قلبية عندما ترى ان الشرطة تنوي اعتقال احد ولديها وتصاب بغيبوبة لا تشفى منها الى بعد انهيار جدار برلين الذي يفصل بين الالمانيتين وبالتالي توحدهما لكن الطبيب يعلم ولديها انه تلافيا لحدوث مضاعفات على حياة والدتهما يجب عليهما مراعاة ان لا تتعرض الى اي صدمة ولو كانت بسيطة لانها في هذه الحالة ستؤدي بها الى الموت المحتم، ويبدأ الولدان باخفاء ما حصل من تحول سياسي في بلدهما المانيا الشرقية وسقوط الحزب الحاكم الذي طالما ناضلت والدتهما في صفوفه وكانت دؤوبة العمل والنشاط الاجتماعي ويأخذان باخبارها بان كل شيء على ما يرام فالحزب لا زال في السلطة، والمؤسسات لا زالت تمارس ادوارها السياسية والعسكرية والتربوية حسب مبادىء الحزب، وان التلفزيون لا زال يبث الاستعراضات والاناشيد والبرامج التي تجيش الناس خلفه، وفوق هذا كله برزت هناك مصاعب الحصول على الطعام الذي كان سائدا في المانيا الشرقية ويقوم بمساعدة اصدقاء آخرين بايهامها من خلال واقع افتراضي ان الحياة اليومية تجري كالمعتاد. برع المخرج وولفانغ بيكر بتصوير حكاية فيلمه الجذاب بتفاصيل بسيطة في مزيج من الدعابات الآسرة والدراما الانسانية المفعمة بالنوستاليجا لحقبة زمنية مضت، رغم تلك الانتقادات التي ينثرها الفيلم على ممارسات النظام الشمولي والى ذلك لا ينسى ان الفيلم يسخر مما آل اليه الواقع من خيبة على الصعيد الانساني. سخرية الفيلم اللاذعة، واستعاراته الذكية الى جانب نظرته المليئة بلحظات حميمة حيث يتلازم الحنان والدعابة في عمل بسيط ومؤثر ونرى بلقطاته التصويرية الصائبة والدقيقة لتحولات عالمين في رهافة خاصة مميزة، وانجراحية شفيفة طبعت شخصياته وليس ادل على ذلك من مشهد الأم واقفة في الشارع مذهولة مما اقتنصته عيناها لطائرة عمودية تطير فوق رأسها حاملة رأس تمثال لينين، والذي يبدو منه انه جاء عنوان الفيلم. فيلم «وداعا لينين» اسلوبية سينمائية مختلفة مبتكرة في المعالجة والاخراج يرسم ملامح هموم وهواجس فنية وفكرية في اطلالة راقية على الوعي والمعرفة والمستقبل. الرأي الأردنية في 31 مارس 2004 |
برتولوتشي: لقاء |
الفيلم الألمان "وداعاً لينين": الحنين والدعابة والخيبة في عالم معاصر ناجح حسن |
|