شعار الموقع (Our Logo)

 

 

عندما يتحدث اي سينمائي عن أهمية السينما‏,‏ فإنه ـ غالبا ـ ما يقول‏:‏ انها كانت أهم صناعة تصدرها مصر‏,‏ وتأتي بالعملة الصعبة ـ اي الجنيه الاسترليني والدولار ـ بعد القطن ؟‏..‏ وانها السلعة الوحيدة التي نصنعها في مصر‏,‏ ويتم تصدير كل انتاجها ؟ ‏..‏ وأن السينما‏:‏ صناعة وفن وتجارة‏!..‏ وهذا الكلام يتكرر كثيرا جدا حتي اصبح بلا معني‏,‏ برغم انه كلام صحيح جدا‏!..‏ والمهم انه بعد صفقة الامير الوليد بن طلال بشراء‏800‏ فيلم مصري‏,‏ اصبح له معني واضح جدا‏,‏ ودقيق‏,‏ بل وخطير‏.‏

اكتسبت صفقة الامير الوليد بن طلال بشراء‏800‏ فيلم مصري‏(‏ ثلث انتاج السينما المصرية طوال تاريخها‏)‏ اهتماما خاصا‏,‏ وعناوين صحفية مثيرة‏,‏ ووصلت الاراء فيها الي حد التناقض‏,‏ فهناك من وصفها بأنها صفقة الثلاثاء الاسود وانها كارثة‏..‏ وهناك من ذهب الي انها مجرد صفقة للبيع والشراء والعرض والطلب وليس هناك اي مشكلة‏,‏ بل ان الناقد علي ابو شادي رئيس المركز القومي للسينما ـ ارفع منصب سينمائي في مصر ـ اقترح ان تبيع الدولة افلامها‏(159‏ فيلما انتجها القطاع العام زمان‏)‏ للامير ايضا‏,‏ ونستفيد من اموالها في اقامة الارشيف القومي‏..‏ والمعني انه ليس هناك اي خطر من بيع الافلام المصرية في سوق العرض والطلب‏!..‏

ودعونا نكون صرحاء الي اقصي درجة‏,‏ فالامر لا يحتمل الهزل‏,‏ او تضارب الاراء‏..‏ فهذا التضارب أفضل تفسير وتلخيص له‏,‏ نجده في مثلنا العامي الفصيح كل يغني علي ليلاه‏..‏ ويجب ان نتعامل مع الامر بجدية وحسم ونضع حدا لالعاب الغناء‏!‏

يمثل بيع الافلام المصرية‏,‏ أهم حدث في تاريخنا السينمائي لانه سوف يحدد ويحسم شكل ومضمون صناعة السينما في مصر خلال السنوات المقبلة وهل تنطلق نحو الازدهار والتأثير‏,‏ أم تتراجع وتصبح مجرد تاريخ‏!..‏ والضجة التي صاحبت صفقة شركة الامير الوليد‏,‏ هي مجرد استشعار بالخطر‏,‏ دون وعي بمصدر الخطورة‏,‏ فقد اعتدنا ـ كدولة وافراد ـ ان نتعامل مع السينما بكثير من التحامل‏,‏ وعدم الاهتمام سواء كصناعة او كفن او كتجارة‏..‏ وعندما جاءت هذه الصفقة لتقدر قيمة اي فيلم مصري قديم باكثر من‏600‏ الف جنيه‏,‏ شعرنا بالقلق‏!!‏

وهذه الصفقة طرحت قضايا فرعية كثيرة منها‏:‏ انه من الناحية التجارية البحتة ـ مادمنا امام صفقة بيع وشراء ـ ليست رابحة الا بعد وقت غير قصير ـ فلماذا الشراء ؟‏..‏ ومنها‏:‏ قضية الاحتكار‏(‏ سبق لنفس الامير ان احتكر سوق الغناء المصري والعربي‏!)..‏ ومنها‏:‏ هل يحرم المشاهد المصري من مشاهدة افلامه لانها اصبحت ملكا لمحطة فضائية ؟‏..‏ ومنها ايضا‏:‏ ما طبيعة الافلام التي تنتج في السنوات المقبلة‏,‏ وهل فقدنا ريادتنا الثقافية ومن أهم ادواتها السينما ؟‏..‏ وكل هذه القضايا يمكن التعامل معها وسوف تصبح مادة لحديث طويل في الفترة المقبلة‏.‏

لكن‏..‏ القضية الاهم والتي تتطلب قرارات سريعة وحاسمة هي ان أفلام السينما المصرية تراث لهذا الشعب ويجب حمايته فورا‏,‏ فهي مثل الاثار‏,‏ ومن غير المنطقي الا يوجد لدينا اصول لافلامنا‏..‏ فمثلا اذا اراد مالك هذه الافلام‏(‏ تتوزع بين‏5‏ شركات كبيرة‏),‏ ان يعدم بعض هذه الافلام‏:‏ هل تختفي من تاريخنا وثقافتنا‏..‏ مجرد مثال‏!

إن الحل العملي والسريع هو ان يصدر من مجلس الشعب قانون حماية التراث‏(‏ موجود داخل ادراج المجلس منذ اكثر من‏3‏ سنوات‏!!),‏ وهذا القانون سوف يجعل لدينا اصولا لكل الافلام كتاريخ ثقافي وليس استغلالا تجاريا‏!..‏ ولتحقيق هذا الامر لابد من انشاء الارشيف القومي‏,‏ وهذا يتطلب ان توفر الدولة ـ عن طريق وزارة الثقافة ـ قطعة ارض‏,‏ وتقوم بالبناء‏..‏ وتكلفة انشاء الارشيف ليست قليلة‏,‏ ولكن كل المطلوب من وزارة الثقافة ـ وبحد اقصي اقل من خمسة ملايين جنيه ـ وسوف تجد بعد ذلك كل الدعم والإسهام من جهات عالمية كثيرة علي رأسها اليونسكو‏,‏ ودول عديدة تعرف معني الارشيف القومي‏..‏ وعندما طرح الناقد علي ابو شادي مسألة بيع افلام القطاع العام‏,‏ فهو لا يهدف سوي توفير مبلغ بداية انشاء الارشيف‏,‏ وهو حل غير عملي لو لم تتحرك الحكومة والاحزاب لانقاذ تراثنا‏.‏

إن انشاء ارشيف قومي يضم اصول كل أفلامنا السينمائية‏,‏ هو الورقة الاخيرة لانقاذ تراثنا السينمائي‏,‏ وهو يتطلب تدخل الحكومة ووزارة الثقافة تحديدا لانجازه‏,‏ وليس هناك سبيل آخر‏,‏ وتكلفة الامر تكاد تكون ببلاش اذا نظرنا لقيمة ثروتنا السينمائية‏..‏ لابد من التحرك السريع‏!.‏

الأهرام اليومي في  24 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

أخيراً.. الفيلم المصري في بورصة الملايين:

كيف نحمي تراثنا السينمائي القومي

نادر عدلي