شعار الموقع (Our Logo)

 

 

في ٥٢ مارس عام ٢٠٠٢ استقبل محمود درويش، المحاصر في رام الله، وفداً من البرلمان الدولي للكتاب مؤلف من الأميركي راسل بانكس والجنوب افريقي برايتن برايتنباخ والايطالي فنسانزو كونسولو والصيني باي داو والاسباني خوان غويتيزولو والفرنسي كريستيان سالمون والبرتغالي جوزي ساراماغو والنيجيري وول سوينكا يرافقهم في سياحتهم ليلى شهيد والياس صنبر٫

وهذا ما وفر، وبعيداً عن »العبارة الصغيرة« لجوزي ساراماغو التي أبرزتها وسائل الاعلام للمخرجين سمير عبد الله وجوزي راينس مادة رائعة لانتاج فيلم عبر العمل على اللغة، »كتاب الحدود، رحلة في الأراضي الفلسطينية«، مكتوب ومحكي بطريقة شاعرية كاشفاً بطريقة أخرى البعد الدولي لفلسطين وموقعها في قلب العالم.

تركز الكاميرا على نقاط التفتيش حيث مدافع الدبابات والبنادق مصوبة في اتجاه المارة الذين علقوا في صفوف الانتظار الطويلة المذلة. وتشير ليلى شهيد الى الخنادق التي تعزل رام الله عن قرى شمال فلسطين في تشكيل يشبه بيت العنكبوت، حيث يبكي أحد المزارعين حقل الزيتون الذي يملكه، مساحته ٥١ هكتار، بعد أن صودر ويجري قطع أشجاره بالمنشار بطريقة منهجية من أجل شق طريق يسمح بمرور »جدار العنصرية والظلم« فيه.

وفي مونتاج الفيلم تتداخل صور التدمير وإعادة البناء. وعلى وجوه الأولاد والعجزة تركيز على دلائل الحياة والاصرار على حد سواء، طائرة ورق ترسم طريقها ما وراء الأنقاض، لعبة أطفال سليمة تتحرك فوق مهد مزدرية بمشهد الخراب في منزل متهدم كلياً٫٫. وغيرها من العلائم للدلالة على الحياة التي تتجاوز الموت٫ وتعلو أغاني صابرين (بما يوحيه اسمها من صبر) لتبرز الاحساس بالواقع وكأنه ترتيلة تعزيمية.

فما بين أمعال الاحتلال والتدمير والتفجيرات بالـ»تي٫أن٫تي« والمجازر والطرق الالتفافية، التي شقت بعد معاهدة أوسلو في خدمة العسكريين والمستوطنين حصرياً، تعطي فكرة عن جغرافيا تصلح أولا للحرب« وعن »حرب توظف لتغيير الجغرافيا«.

كل جيل يأتي هو أقوى من سابقه. على شارون أن يرحل٫س ليس من يقول هذا من الانتحاريين بل عجائز وقورات وصامدات مثل أشجار الزيتون، في ثيابهن التقليدية ورؤوسهن مغطاة بمنديل أبيض. وحين يؤكد فلسطينيون ان: »كلماتنا هي ببساطة حقوقنا«. يجيبهم كن راسل: »إن اللغة التي استخدمت لوصف معاناتكم وتاريخكم كانت فاسدة ومعيبة ويجب إعادة تشكيلها ليفهمها سائر العالم«. ويضيف وول سوينكا أن البربرية التي عومل اليهود من قبل لا تبرر »العنف الحالي« وينقض سياسة الحكومة الاسرائيلية: »إن ما تقدمون عليه هو جريمة ضد الانسانية«.

وفي »المقاطعة«، وكأنما استباقاً للاعتداء الذي سيتعرض له ياسر عرفات بعد بضعة أيام، والذي نقله سمير عبد الله بطريقة رائعة في »قصة حصار«، بدا الكتاب والرئيس العجوز يتحدثون في شؤون الفن والتاريخ. أهو حوار سوريالي؟ ليس أكثر من الكلام الهادئ الصادر عن ذاك المزارع الذي لوحته الشمس: »اقتلونا، اطردونا، جوعونا لكنكم لن تتمكنوا من مصادرة إرادتنا. الأرض بتتكلم عربي وأنا عربي«. وبحسب الفلسطينيين كما الكتاب فان الفيلم، عبر هذا التقرير عرف كيف يعبر عن شمولية الأخلاق والمقاومة.

وفي السياق نفسه يندرج »غيررا«، المسرحية التي حولت فيلماً، في إطار حب فريد بين المخرج الايطالي بيبو دلبونو وفرقة من الممثلين الذين جرحتهم الحياة. فهذا الوفد من المهملين، الذي انطلق، في يناير عام ٣٠٠٢، في جولة له في فلسطين وفي اسرائيل، يبدو متجذراً كلياً في المشهد العام وينساق في بعد تخيلي شاعري. ومن هنا جاء الفيلم بألوان متداخلة صادماً وفاتناً. فلا هو فيلم وثائقي ولا من أدب الرحلة، بل نوع من الكتابة السنوغرافية الجديدة فعلاً تكمن جماليته الابداعية أساساً في النظرة التي يكونها عن العالم. فالمشاهد والتوزيع الموسيقي والمقاطع الشعرية والتأملات الوجودية تسجل نظرة الى الواقع واستثارة للماضي لكي يطرحا التساؤلات الجذرية حول المستقبل.

هذه الفرادة في النظرة وفي العمل تعود اولاً الى فرادة المجموعة حيث الممثلون، بأجسادهم المختلفة ومقاربتهم الخاصة واختبارهم المعاناة، يشاهدون الحرب ويحملوننا على مشاهدتها من وجهة نظر غير مفاجئة. فبالتقاطهم الحياة الخفية التي تنبجس من جميع الجراحات وبانسياقهم في علاقتهم بالآخر، الأخ والانساني، بدوا وكأنهم من فلسطين بقدر الفلسطينيين. كما كل واحد منا.

 

* فيلم »كتاب الحدود، رحلة في الأراضي الفلسطينية« للمخرج الفرنسي الفلسطيني سمير عبد الله عرض في بداية الشهر الحالي في فرنسا ويواجه حاليا هجمة شرسة باعتباره ضد اسرائيل.

الأيام البحرينية في  23 مارس 2004

كتبوا في السينما

 

مقالات مختارة

مي المصري.. اطفال المخيمات اصبحوا يحلمون بالحب والسينما

عمر الشريف يفوز بـ"سيزار" أفضل ممثل

جوسلين صعب:السينما التسجيلية تمنح رؤية نافذة للاحداث

ناصر خمير: أفلامي حلم... وعندما تحلم تكون وحدك

      برتولوتشي: لقاء

رندة الشهال: أهل البندقية يحبونني

تاركو فسكي: بريق خافت في قاع البئر

 

 

"كتاب الحدود، رحلة في الأراضي الفلسطينية"

أفلام مقروءة ومحكية

مارينا دا سيلفا