ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
ناصر 56

1995

Nasser 56

 
 
 
نشر هذا المقال في جريدة اليوم السعودية
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

أحمد زكي + أحمد ماهر + حسن حسني + حسن كامي + سمير وحيد + شعبان حسين + فردوس عبد الحميد + هشام سليم + طارق دسوقي

إخراج: محمد فاضل ـ تصوير: عبد اللطيف فهمي ـ سيناريو وحوار: محفوظ عبد الرحمن ـ موسيقى: ياسر عبد الرحمن ـ مونتاج: كمال أبو العلا ـ مناظر: نبيل سلام ـ إنتاج: إتحاد الإذاعة والتلفزيون (قطاع الإنتاج)

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

ناصر 56

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

لقد صاحبت فيلم (ناصر 56) حملة إعلانية ضخمة منذ الإعلان عن بدء الإعداد له، أي قبل عامين من عرضه تقريباً. ثم بعد عرضه الخاص أثار عاصفة صحافية، حيث كتب عن الفيلم الكثير من المقالات النقدية والتحقيقات الصحفية. أما عرضه الجماهيري الذي بدأ في الثالث من أغسطس 1996، فقد حطم الأرقام القياسية لشباك التذاكر. حيث اجتذب الفيلم مليوني متفرج إلى دور العرض في الأسابيع الثلاثة الأولى التي تلت العرض الافتتاحي. وقد بدأ عرض الفيلم ليتزامن مع الذكرى الأربعين للتأميم، وأعاد بذلك الجدل الطويل بشأن الدور التاريخي للرئيس الراحل، ما بين معارض ومدافع.

يحكي الفيلم عن قصة الزعيم والقرار الصعب.. عن جمال عبد الناصر وتأميم القناة. ويروي عن مائة يوم في حياة هذا الزعيم منذ جلاء القوات البريطانية إلى العدوان الثلاثي، والتي اتخذ خلالها قرار تأميم قناة السويس في عام 1956. ويتناول الفيلم هذا القرار منذ أن كان مجرد فكرة مستترة أشبه بالبذرة التي ولدت في قلب الزعيم بعد تلك الإهانة الجارحة التي تلقاها من صندوق النقد الدولي، والذي رفض تمويل مشروع السد العالي بضغط من الحكومة الأمريكية. فقد نمت هذه الفكرة رويداً رويداً على شاطئ بريوني اليوغسلافي، أثناء محادثاته الساخنة مع الزعماء تيتو اليوغسلافي ونهرو الهندي، ليعود بها إلى القاهرة يهدهدها في داخله وتزداد نضجاً حتى تأخذ بمجامع عقله وتفكيره وقلبه. لقد نجح كاتب السيناريو بذكائه وحساسيته في إيصال هذه الأفكار والمعاني العميقة ببساطة وسلاسة، دلت على ذكاء وموهبة محفوظ عبد الرحمن. إن فيلم (ناصر 56) يسجل لنا بشكل سينمائي مدهش، كيف بدأت هذه الفكرة في قلب وعقل الزعيم، وكيف نمت وازدهرت، وألقت بثمارها مرة واحدة حتى أصبحت كانفجار رائع هز كل الدنيا.

 

السيناريو:

فالفيلم وراءه كاتب سيناريو كبير اشتهر بكتابة الدراما التاريخية، بل أنه يعد من أبرز كتابها، ألا وهو الكاتب محفوظ عبد الرحمن.. وهو كاتب له أسلوبه المتميز في التعامل مع التاريخ وأحداثه، جاعلاً من هذا التاريخ قصص وحكايات درامية مشوقة ومقبولة لدى جمهور عريض في الوطن العربي. وهذا ما حدث أيضاً في فيلم (ناصر 56).. فقد نجح (محفوظ عبد الرحمن) في اختياره للفترة التاريخية التي تدور فيها أحداث الفيلم (فترة تأميم القناة)، فهي قمة تألق شخصية عبد الناصر، حيث أجمع كل المصريين على زعامته. فالفيلم ينقل البطل التاريخي في حياة الشعب ليصبح البطل الدرامي على الشاشة. ثم أن هذا الفيلم أتاح لشباب الجيل الحالي الذين لم يعاصروا عبد الناصر، والذين يمثلون 70% من جمهور الفيلم، أتاح لهم الفرصة للتعرف عليه بسرعة وبسهولة وبأسلوب شيق عن طريق ساعتين ونصف على شاشة السينما بدلاً من قراءة الكتب والعودة إلى المراجع. لذلك كان للفيلم معنى مختلفاً في حياة هذا الجيل، فالفيلم جاء عن رجل أضاء في تاريخ الأمة ثمانية عشر عاماً بكل مالم تكن تحلم به من عزة وكرامة وشموخ وصدام مع الأقوياء.

وبالرغم من أن الفيلم تاريخي يعتمد على وثائق وأحداث حقيقية، إلا أن كاتب السيناريو قد استطاع أن يحولها إلى دراما شدت الانتباه وجذبت الأنظار إليها. فقد احتوى السيناريو على العنصر الإنساني في حياة عبد الناصر، إضافة إلى العنصر الخيالي الذي هو من وضع الكاتب. فمثلاً، التصرفات البسيطة كمواطن عادي في بيته مع زوجته وأولاده، لهفة أولاده عند عودته من السفر، ترقب الزوجة أثناء تواجده في مواقع وظروف خطرة، إلحاح الأولاد عليه في القيام برحلة إلى الإسكندرية لقضاء عطلة الصيف، رفضه إقامة حمام سباحة في منزله بتكلفة أربعة آلاف جنيه بسبب ميزانيته الخاصة التي لا تسمح بذلك. جميعها معلومات استقاها الكاتب من الوثائق والكتب والمذكرات الخاصة لعبد الناصر ومعاصريه. أما العنصر الخيالي الذي أضيف على المعلومات الحقيقية فيمثل تدعيماً للدراما، ومنها على سبيل المثال: اقتحام موظف سابق بقناة السويس موكب الرئيس يشكو له فصله من قبل هيئة القناة. إلحاح السيدة العجوز في مقابلته بمكتبه رغم انشغاله.

 

الإخراج:

إن هذه العناصر الإنسانية والخيالية السالفة الذكر مع الكثير من التفاصيل التي أحاطت بالشخصيات، قد حولت المعلومات الوثائقية إلى حدوتة درامية مشوقة نجحت في شد الانتباه. ولكن لظهور سيناريو جميل وقوي كهذا إلى النور، كان لابد من وجود مخرج متميز ومتمكن يصل بالفيلم إلى بر الأمان.. وبالفعل كان هذا المخرج هو الفنان الكبير (محمد فاضل). فقد بذل محمد فاضل مجهوداً كبيراً للغوص في أعماق شخصيات الفيلم، ونجح إلى حد كبير في أن يستخرج منها تعبيرات أخلاقية، بدت ملامحها واضحة على الوجوه، ولم تكن بحاجة لأي جهد من المتفرج لفهمها، لذلك تأثر وانفعل بها كما أراد صناع الفيلم. كما أن اعتماد المخرج على الواقعية في الديكور والماكياج، جعل الفيلم يبدو مطابقاً لما كان عليه الزمن في الخمسينات. هذا إضافة إلى أن المخرج قد إخطار تصوير الفيلم بالأبيض والأسود رغبة منه في الحفاظ على الانسجام في متن الفيلم ودمج اللقطات المأخوذة من الأفلام الوثائقية دمجاً عضوياً بباقي المشاهد. كما أنه نجح في تحويل الساعات الطويلة التي سبقت اتخاذ القرار الفاصل إلى لحظات مليئة بالتوقع والترقب عبر تقديم عرض دقيق لردود الفعل وتصاعد الموقف حتى لحظة الحسم، رغم أنها تدور بمعظمها في مكان واحد، هو مكتب الرئيس.

ولا يمكننا إلا أن نشير إلى أن أجمل ما في الفيلم هو ابتعاده الكامل عن المباشرة في الطرح والصراخ السياسي، هذا بالرغم من أن الموضوع يتحمل مثل ذلك. فقد إحتار المخرج محمد فاضل لهذا الفيلم أسلوباً يجمع بين الواقعية التسجيلية وبين الرؤية الشعرية المغلفة بكثير من الشجن الذي تبعثه الذكرى. ويشدد من قيمته هذه ذلك الإحباط السياسي اليومي الذي تعيشه الأمة العربية هذه الأيام.

وبشكل عام فإن سيناريو محفوظ عبد الرحمن، الكاتب العاشق للتاريخ والأمين عليه في نفس الوقت، وأسلوب المخرج المبدع محمد فاضل.. تضافرا معاً ليحققا ذلك التزاوج بين الدراما والتوثيق، ويرسما التفاصيل بدقة، ويقدما عبد الناصر كما كان عليه عام 56، ليرتقي التعبير الفني دون أن تتلاشى الحقيقة الواقعة.

 

عبقرية الأداء:

لقد إستطاع أحمد زكي أن يقدم لنا عبد الناصر على الشاشة بكل قدرات الفنان المتألق في المحاكاة ومعايشة الشخصية عن ظهر قلب لدرجة أن الأداء جاء ممزوجاً بروح عبد الناصر. فعبقرية الأداء عند أحمد زكي ليس لها حدود، خاصة عندما يلتقي بشخصية درامية لها أهميتها كشخصية عبد الناصر، حيث تنطق عيناه بذكاء حاد، وترسم ملامح وجهه التحدي والصرامة وقوة الشخصية، ويجسد أسلوبه عن طريق حركة الجسم إلى الأمام والى الخلف وهو يخطب، أو وهو يقوم من مقعده مقدماً كتفه اليمنى أولاً، أو وهو برفع عينيه إلى أعلى جالساً نحو من يقف أمامه بنظرات ثاقبة. ثم كيف يغوص في روح عبد الناصر أثناء الأداء. إن أحمد زكي في هذا الدور نجح في التقاط خيوط الشخصية ودراستها جيداً في معظم جوانبها.. ورغم ذلك فهو لم يقلد الشخصية ليبدو كنسخة مكررة، لأنه لو فعل ذلك فسيبدو كالمنولوجست الذي يقلد فيظهر ساخراً مثيراً للضحك. إلا أن أحمد زكي عرف عن الشخصية كل شيء .. أبعادها الثلاثة الجسمانية والاجتماعية والنفسية، ثم ابتعد عن عبد الناصر بعد أن تقمص شخصيته وراح يؤديها بطبيعة بالغة. مما ترك انطباعا طيباً لدى النقاد والمشاهدين في نجاح أحمد زكي بتجسيده لشخصية عبد الناصر وهو يحاول التغلب على الشكوك التي دارت حول قدرة مصر على تأميم القناة وإدارتها بنفس كفاءة الفرنسيين والبريطانيين.

لقد كلف إنتاج الفيلم مليوني جنيه مصري (600 ألف دولار) وشارك فيه 72 ممثلاً، عدا الكومبارس الذين مثلوا الجموع.

وفاز فيلم ناصر 56 والممثل أحمد زكي و المخرج محمد فاضل والسيناريست محفوظ عبد الرحمن بدرع الإعلام المصري في مهرجان القاهرة للتليفزيون.

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004