ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 

Dances With Wolfs

1990

الرقص مع الذئاب

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 23 يونيو 1993

 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

تمثيل: كيفين كوستنير + ماري مكدونيل + جراهام جرين + رودني أي. ريح + فلويد ( غراب أحمر ) ويسترمان

إخراج: كيفين كوستنير ـ سيناريو وحوار: مايكل بلاك ـ تصوير: دين سيملير ـ موسيقى: جون باري ـ مونتاج: نيل ترافيس ـ إنتاج: جم ويلسون، كيفين كوستنير

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

Dances With Wolfs

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

(الرقص مع ا لذئاب - 1990) تحفة بصرية سينمائية رائعة، وهو الفيلم الذي لاقى نجاحا جماهيريا ونقديا علي السواء، نجاحا كبيرا حقق أرباحا تقدر بمئات الملايين من الدولارات. هذا إضافة إلى ترشيحه لاثنتي عشرة جائزة من جوائز الأوسكار، وفوزه بسبع جوائز منها، وهى جوائز أحسن فيلم، أحسن إخراج، أحسن سيناريو، أحسن تصوير، أحسن موسيقى، أحسن ملابس، أحسن مؤثرات.

وفيلم (الرقص مع الذئاب) هو واحد من أفلام الويسترن، يدور حول ضابط أمريكي يتم نقله، وباختياره، إثر الحرب الأهلية الأمريكية، إلى نقطة بعيدة في الغرب الأمريكي حيث تنتهي رحلته علي أرض يعيش عليها أفراد قبيلة السيوكس، وهى قبيلة من قبائل الهنود الحمر الذين يخشون تقدم البيض ويحتارون في آمر هذا الضابط الذي حط الرحال وحده في هذه الثكنة العسكرية المهجورة. فهم إذا ما حاربوه قد يجلبون لأنفسهم المتاعب، وإذا ما تركوه فقد يكون بداية قافلة المستوطنين البيض.

إلا إن ما يحدث لاحقا، هو ولوج ذلك الضابط الأبيض- تدريجيا- عالم القبيلة الهندية واكتشافه بان كل القصص التي سمعها عنهم مزيفة. فهم حقا شعب مسالم وشجاع وسخي وعلي علاقة سلام مع أنفسهم ومع الطبيعة وبالتالي يؤدى اكتشاف الضابط هذا بأن يتبنى قضيتهم ويؤمن بحقهم في حريتهم على أرضهم لدرجة مواجهته معهم عدوان الرجل الأبيض سعيا وراء إثبات حقوقهم والدفاع عن حريتهم.

وبهذا يقدم الفيلم، بتعاطف شديد، تراجيديا السكان الأصليين للقارة الأمريكية من الهنود الحمر، ويروي جانبا من الجرائم التي ارتكبت بحقهم من جانب الرجل الأبيض. والذي لم يتوقف عن جرائمه إلا بعد أن دمر ثقافتهم وحضارتهم وقضى حتى على اللغات التي كانوا يتحدثون بها. ليبقى منهم أعدادا قليلة تعيش في مجتمعات مغلقة في بعض الولايات.

وفيلم "الرقص مع الذئاب" في حد ذاته، هو إعادة اعتبار فريدة من نوعها لمواطني أمريكا الأصليين، ليس لأنه المحاولة السينمائية الأولى في هذا المجال، بل لأنه الأنجح بين كل المحاولات.

والفيلم كما يقول بطل الفيلم ومخرجه (كيفن كوستنر) هو اعتذار متأخر جدا لأصحاب القارة الأصليين. ولا يمكن القطع طبعا بأن هذا الاعتذار جاء نتيجة إحساس حقيقي بالذنب تجاههم ونتيجة إيمان قوي بموقف بطل الفيلم الملازم (جون دنبر) الذي خلع زي الجيش الاتحادي للولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان ضابطا فيه عام 1860، فيختار جانب الهنود الحمر والوقوف ليحارب معهم ضد أبناء جلدته. أم أن كل هذا مجرد ذكاء فني وتجارى من السينمائيين الثلاثة الذين قام على أكتافهم الفيلم، وهم المنتج "جيم ولسون" والمؤلف "ميتشيل بليك" والممثل المخرج "كيفن كوستنر" ؟!

وأيا كان الدافع الحقيقي وراء إنتاج هذا الفيلم، فلاشك بان صانعيه قد نجحوا في تقديم صورة إنسانية بالغة القوة والجمال تتعرض لحياة الهنود وتؤيد قضيتهم كما أنهم استطاعوا أن يجعلوا المتفرج الأمريكي ينتابه ذلك الشعور بأنه يمتلك من الحرية وشجاعة الرأي ما يجعله يدين موقف أجداده وآبائه في بعض القضايا التاريخية الهامة. فبعد أن بدأت السينما الأمريكية بإدانة ما حدث للرجل الأسود من تفرقة عنصرية على يد الأجداد البيض، ثم إدانة حرب فيتنام وما جرى فيها من فضائع، قدمت هذه السينما بعض الأفلام التي تدين فيها تصرف الرجل الأبيض تجاه الهنود سكان القارة الأصليين.

ففي "الرقص مع الذئاب" تنقلب الصورة التقليدية القديمة التي سجلتها الكثير من أفلام رعاة البقر الأمريكية عن الرجل الهندي الشرير. فالأبطال الطيبون الذين يتعاطف معهم المتفرج ويدق قلبه قلقاً وخوفاً عليهم هم الهنود الحمر من قبيلة السيوكس والذين يقدمهم السيناريو في صورة الرجال الشجعان المسالمين أصحاب التقاليد القديمة والعريقة، أما الأشرار فهم الرجال البيض من جنود الجيش الاتحادي، الذين لا يفيق بعضهم من السكر، والذين لا يتورعون عن سفك دماء الهنود الحمر المسالمين دون أدنى حق.

فيلم "الرقص مع الذئاب" ملحمة خاصة نجمها الوحيد هو "كيفن كوستنر"، الذي لعب دورا مهماً، لا هالات بطولية حوله. كما اختبر فيه قدراته الإخراجية لأول مرة. ولا ننسى أن نشير بان فيلم "الرقص مع الذئاب" هو ثاني فيلم وسترن في تاريخ الاوسكارات (63عاماً) الذي يفوز بجائزة أحسن فيلم. الأول كان فيلم (سيماروت- 1931) وكان أيضا دراما عائلية حول الاستيطان الأبيض في الغرب الأمريكي.

فيلم "الرقص مع الذئاب" أحد النماذج البارزة لطبيعة الإنتاج الهوليودي الضخم، فقد رصد له منتجه خمسين مليونا من الدولارات وسخرت للفيلم إمكانيات مادية وبشرية هائلة، وذلك حتى يقدم الفيلم في صورة اقرب ما تكون إلى الواقع. وقد قام كل من المنتج والمخرج والمؤلف بدراسة كل التفاصيل الدقيقة لحياة وتقاليد الهنود في عام 1860، فأجريت دراسات وأبحاث على أسلوب الحياة في القرى الهندية وطريقة ارتداء الملابس وتسريحات الشعر ووضع الأصباغ علي الوجوه، والأسلحة التي كانوا يستخدمونها وحتى اللغة التي كانوا يتحدثون بها.

ومن أجمل التقاليد التي اتبعها منتج الفيلم انه اصدر كتابا عن الفيلم في مائة وخمسين صفحة من القطع الكبير، يحتوى بجانب القصة الأصلية والسيناريو، على مجموعة من الصور النادرة التي التقطت أثناء تصوير الفيلم، كما يتضمن الكتاب التفاصيل الدقيقة لأسلوب الإنتاج والإخراج لكل لقطة من لقطات الفيلم. بحيث يمكن اعتبار هذا الكتاب مرجعا لعشاق السينما والمهتمين بها والدارسين لها في معاهد السينما المختلفة، وبحيث يمكن للمتابع العادي والمتفرج أن يكتشف كيف تنتج وتنفذ الأفلام الكبيرة في هوليود، حيث تدرس تفصيلات كل لقطة بدقة شديدة من العديد من الخبراء، وبحيث لا يترك شيء للصدفة. فكل شيء محسوب ومرسوم بدقة علي الورق قبل التنفيذ. فإنتاج الأفلام- خاصة التاريخية منها- لا يتم هكذا اعتباطا وإنما نتيجة جهد وفكر ودراسة عشرات الخبراء وكل المسئولين عن الفيلم.

وبعد أن استقر رأى الكاتب والمنتج على الممثل كيفن كوستنر ليقوم بإخراج الفيلم، حتى بدأ الأخير في الحال البحث عن الموقع الذي سوف يتم فيه تصوير الفيلم، وقد اضطر المسئولون عن الفيلم إلى السفر إلى ثماني ولايات أمريكية بجانب كندا والمكسيك للبحث عن مكان كان يقيم فيه الهنود الحمر في القرن الماضي، حيث يجب أن تمتد المراعي الواسعة التي تخترقها الأنهار وتشرف عليها الجبال العالية المغطاة بالثلوج.

كما كان يشترط الموقع أن يكون قريبا من إحدى المدن حتى يتمكن طاقم الفيلم من الفنيين، الذين يزيد عددهم على المائتين من الإقامة في الفنادق، هذا بجانب الأعداد الكبيرة من الممثلين والكومبارس الذين يعدون بالآلاف. وبعد بحث طويل تم اختيار جنوب ولاية "داكوتا"، خصوصا بعد علمهم بوجود اكبر مزرعة لقطعان الماشية في العالم، حيث تحتوى على ثلاثة آلاف وخمسمائة رأس من الماشية. واعتبر المخرج إن موافقة صاحب المزرعة على استخدام قطعان الماشية في التصوير هو بمثابة العثور على منجم ذهب، حيث أن من بين أهم مشاهد الفيلم. مشهد يقوم فيه البطل بالمشاركة مع أصدقائه من الهنود بمطاردة قطيع هائل من الماشية، حيث يقومون بدفع القطيع تجاه أراضيهم. وفى هذا المشهد استخدم المخرج للتصوير سبع كاميرات وطائرة هليوكوبتر وعشر سيارات (بيك اب) وأربعة وعشرين راعي بقر على أعلى مستوى يقودون مائة وخمسين فارسا من الهنود الحمر الذين يركبون الخيل ويندفعون في جنون خلف قطعان الماشية التي بوقع حوافرها على الأرض تحدت اهتزازات شديدة عليها.

استطاعت مديرة الإنتاج في الفيلم "اليزابيث لوستنج" أن تتعاقد مع مئات من الممثلين والكومبارس الذين جاءوا من أصول هندية أمريكية، كما استطاعت أن تختار الشخصيات الهندية بحيث تتوافق تماما مع الشخصيات الهندية التي تظهر في الفيلم، كما أنها استطاعت أيضا أن تقنع أعداد كبيرة من الأمريكيين المنحدرين من قبائل "السيوكس" بالتعاون مع أسرة الفيلم والاشتراك فيه. وقد صمم المخرج، زيادة في الواقعية، علي أن يتحدث الهنود الحمر في الفيلم بلغتهم الأصلية وهى لغة "اللاكوتا"، ولما كانت هذه اللغة قد انقرضت حتى بين الأمريكيين المنحدرين من أصول هندية، فقد كان يجب على المخرج أن يبحث عن أستاذة في إحدى الجامعات الأمريكية هي "دوريس ليدر" لتقوم بتدريس هذه اللغة للممثلين، وترجمة أجزاء كبيرة من الحوار إلى لغة "اللاكوتا" ولتقوم أيضا بدور هام في الفيلم هو دور "بريتي شيلد" أو "الدرع الجميل". واستمرت بالتدريس لمدة ثلاثة أسابيع متواصلة حتى استطاع الممثلون النطق بهذه اللغة.

وأخيرا، لا يسعنا إلا أن نؤكد بأننا أمام سيمفونية بصرية جميلة وتحفة فنية رائعة، كان وراء التفكير في إخراجها على الشاشة إمكانيات هائلة من الفكر والفن والجهد .. هكذا يكون الفن .. هكذا يكون الإبداع .. هكذا يكون الجمال.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004