ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
أفواه وأرانب

1977

Mouths & Rabbits

 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 8 مايو 1991
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

فاتن حمامة + محمود ياسين + فريد شوقي + علي الشريف + رجاء حسين + ماجدة الخطيب + وداد حمدي

اخراج: هنري بركات ـ تصوير: وحيد فريد ـ حوار: سمير عبد العظيم ـ سيناريو: سمير عبدالعظيم ـ قصة: سمير عبد العظيم ـ مناظر: نهاد بهجت ـ موسيقى: جمال سلامة ـ مونتاج: رشيدة عبد السلام ـ إنتاج: شركة الأفلام المتحدة المصرية

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

أفواه وأرانب

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

أفواه وأرانب.. نموذج للسينما الخطرة

(أفواه وأرانب ـ 1977) واحد من أبرز الأفلام المصرية الناجحة فنياً وجماهيرياً. فقد تصدر قائمة الأفلام المصرية في موسم عرضه، وحقق أعلى الإيرادات في شباك التذاكر. في هذا الفيلم، نحن أمام نموذج هام وخطر للسينما التجارية التي تصنعها الرجعية. فقد توفرت له كافة الإمكانيات الفنية والإنتاجية، إلا أنه ـ بما يطرحه من أفكار ـ قد شكل حينها بديلاً مطروحاً في مقابل نماذج كثيرة قدمتها السينما التقليدية، نماذج رخيصة ومبتذلة ورجعية في أفكارها واتجاهاتها لخدمة تلك الأفكار السائدة، وهذا راجع ـ بالطبع ـ لضعفها الفني، وعدم مقدرة مخرجيها في التعامل مع مادتها الفكرية.

أما بالنسبة لفيلم (أفواه وأرانب) فالأمر يختلف إلى حد كبير. فالفيلم مصنوع بدقة واهتمام زائد من الناحية السينمائية. إضافة إلى الذكاء والحذر في صياغة نواحيه الفكرية.

دعونا أولاً، نبحث في النواحي الفنية التي توفرت لهذا الفيلم والأسباب التي أدت إلى ذلك الإقبال الجماهيري الهائل الذي حضي به الفيلم. قد يكون أحد الأسباب هو قيام فاتن حمامة ببطولة الفيلم، وهي ممثلة كبيرة ونجمة جماهيرية، تعتبر من القليلات في السينما العربية اللواتي يمتلكن جاذبية ذات تأثير كبير ـ ومنذ اللقطة الأولى ـ على الجمهور. هذا الانجذاب والتفاعل العاطفي اللاإرادي من الجمهور هو عبارة عن حصيلة أو تراكم لمجمل الشخصيات المتميزة التي قدمتها هذه الفنانة، وبالتالي تفاعل الجمهور مع أي عمل فني تقدمه يكون تفاعلاً عاطفياً، بل ويصبح المتفرج غير قادر على تشغيل ذهنه فيما يرى أمامه. ولكن وجود فاتن حمامة في الفيلم يعتبر سبباً غير كافٍ، لذا ينبغي البحث عن الأسباب الفنية والفكرية الأخرى.

فالفيلم يتحمل أعباءه مخرج كبير هو الفنان هنري بركات، وهو الذي سبق أن قدم فاتن حمامة في مجموعة من أهم أدوارها على الشاشة (دعاء الكروان ـ الحرام). وبركات مخرج متمكن من الناحية التقنية، بل ويعتبر من أهم مخرجي السينما الرومانسية والكلاسيكية. لذلك نلاحظ تلك الرومانسية الهادئة التي إحتواها فيلم (أفواه وأرانب)، والتي أبعدته عن الإبتذال والسطحية السائدة في أغلب الأفلام المصرية. هذا إضافة الى قدرة المخرج المعهودة في إدارة ممثليه ونجاحه في إستخراج ما عندهم من طاقات وقدرات أدائية.

وهناك ـ أيضاً ـ التصوير الجيد الذي أداره الفنان الكبير وحيد فريد، مدير تصوير أغلب أفلام فاتن حمامة. فقد اهتم كثيراً في هذا الفيلم بالتفاصيل الكبيرة والصغيرة وأبدى اهتماما زائداً بتوزيع الإضاءة الذي يتناسب والتوتر النفسي للشخصيات، وبالذات شخصية فاتن حمامة. كذلك كان الديكور للفنان التشكيلي نهاد بهجت، والموسيقى للفنان جمال سلامة، والمونتاج للفنانة رشيدة عبد السلام. أما السيناريو والحوار فكان للفنان سمير عبد العظيم، الذي كتب حواراً قوياً وذكياً، أعطى للأحداث والشخصيات مصداقية وبعداً واقعياً عميقاً. كل هؤلاء اجتمعوا فكونوا فريقاً فنياً متكاملاً من النادر تواجده في فيلم واحد. هذا الفريق الفني استخدمه بركات لتقديم فيلم نظيف فنياً، وخلق علاقة تعاطف بين الجمهور وشخصيات الفيلم الطيبة والخيرة. ولكنه ـ في المقابل ـ استخدم فريقه الفني هذا لخلق ذلك الإيهام بالواقع.. دعونا نبحث في ذلك!

في فيلم (أفواه وأرانب)، هناك فكرتان أساسيتان تدور حولها الأحداث: فكرة التصالح الطبقي، وفكرة تحديد النسل. ومن هاتين الفكرتين تتفرع عدة أفكار ثانوية كثيرة، كفكرة الصراع بين الخير والشر وغيرها من الأفكار المثالية. فكرة التصالح الطبقي تدور بين فاتن حمامة المنتمية الى الطبقة العاملة الفقيرة، وبين محمود ياسين البورجوازي النبيل. ولكن الصراع ـ كما بينه الفيلم ـ لا يدور بين هاتين الطبقتين، بل بين كل واحدة منهما وبين أندادها من نفس الطبقة. ولا يتم اللقاء بين فاتن ومحمود إلا بعد أن ينتصر كل منهما على طبقته، سواء كان ذلك بالإقناع أو بالعناد، حيث لا فرق في هذا عند صناع الفيلم. ولكن الفيلم بذلك قد إعتمد في توصيل فكرة التصالح الطبقي على تحويل الصراع الطبقي الى صراع أخلاقي بين الخير والشر، وصرف النظر عن الدوافع الإجتماعية التي تحرك هذا الصراع. وهذا ـ بالطبع ـ منطق متخلف كما نظن. وحتى إذا قلنا بأن لفاتن حمامة هنا خصوصيتها الشخصية، أي بأنها ليست شخصية نمطية شائعة، فإن المخرج قد نجح بإستخدامه لكافة تلك العناصر السينمائية الفنية التي تحدثنا عنها سابقاً ـ وبالأخص فاتن حمامة ـ في تحويل الخاص الى عام، في تحويل شخصية فاتن حمامة من حالة خاصة الى حالة عامة. وبالتالي، فقد لعب ذلك التعاطف الذي نشأ بين الجمهور وبطلته، دوراً سلبياً ومخرباً.

أما بالنسبة للفكرة الأساسية الأخرى، فإن الفيلم قد طرح مشكلة الإنجاب وتعدد الأطفال لدى العائلات الفقيرة، طرحها بشكل سطحي متجنباً ـ بالطبع ـ علاجها جذرياً. فهو يبدأ وينتهي بلقطات قصيرة وسريعة لأطفال منتشرين في الشوارع، تقول بأن هذه المشكلة هي السبب في الفقر الذي تعاني منه عائلة فاتن حمامة. وهي ـ أيضاً ـ السبب الذي يجعلها تخشى الزواج.

إن مشكلة الإنجاب هذه حاضرة في كل لحظة من لحظات الفيلم، وبالتالي فالفيلم يدينها. ولكن المخرج لا يتردد لحظة واحدة في إيجاد حل سحري لها، حيث يكون الحل على يد البورجوازي النبيل، عندما يأتي في النهاية ويصطحب أفراد العائلة جميعاً ليعيشوا معه في المزرعة. وهذا ـ بالطبع ـ حل فوقي مزيف للمشكلة، يطرحه الفيلم بديلاً للحل المنطقي. أي إنه حل يتناول الشكل الخارجي للمشكلة وليس جوهرها، فالمشكلة الأساسية هنا هي مشكلة النظام الإقتصادي العاجز عن إستيعاب مالديه من طاقات بشرية نتيجة غياب التخطيط المستقبلي السليم.

وكما يفعل الفيلم، حين يعمم الحل القائم على التصالح الطبقي، نراه يعمم الحل السحري بالنسبة لمشكلة الإنجاب. فمثلما وجدت فاتن حمامة من يحبها ويرفعها طبقياً، كذلك يجد الأطفال سيداً يرعاهم ويوفر لهم ما كانوا محرومين منه، وبالتالي ينهي مشكلتهم. هنا يكون الفيلم وصناع قد حققوا ما أرادوه من توصيل هذه الأفكار، وذلك بدغدغة عواطف المتفرج، وإستدراجه للتعاطف مع الفيلم وأبطاله وبالتالي أفكاره. وإظهار السيد البورجوازي كالبطل المنقذ في النهاية، دون أن يتركوا أي مجال للمتفرج بالتفكير في حل آخر، أو إنتظار أي منقذ آخر.

ولكن بالرغم من كل ذلك، فلا بد من الإشارة الى أن (أفواه وأرانب) فيلم جيد فنياً ومتقن في صناعته السينمائية. وهذا بالذات ما دفعنا الى تناوله من الناحية الفكرية بل والتركيز عليها. لأن مثل هذا الفيلم يشكل خطراً أكبر على الجمهور، وكان لابد من فضحه.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004