ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
عفواً أيها القانون

1985

The Low, Sorry

 
 
 
نشر هذا المقال في جريدة أخبار الخليج في 28 يوليو 1986
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

محمود عبد العزيز + نجلاء فتحي + فريد شوقي + ليلى طاهر + هياتم 

إخراج: إيناس الدغيدي ـ تصوير: سمير فرج ـ  سيناريو وحوار: إبراهيم الموجي ـ قصة: نبيل مكاوي , إبراهيم الموجي , إيناس الدغيدي ـ مناظر: ماهر عبد النور ـ موسيقى: عمر خيرت ـ مونتاج: سلوى بكير ـ إنتاج: أفلام مصر العربية

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

عفواً أيها القانون

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

عفواً أيها القانون.. صرخة إحتجاج ضد قانون العقوبات المصري، أطلقتها المخرجة المصرية »إيناس الدغيدي« في أول افلامها السينمائية الذي يحمل نفس الاسم. وقد أثار هذا الفيلم عند عرضه لأول مرة ضجة كبيرة بين مؤيد ورافض للفكرة الجريئة التي طرحها، علماً بان الجميع قد إتفق على ان المخرجة إيناس الدغيدي قد نجحت في إثبات وجودها كمخرجة سينمائية، وإستطاعت ان تجد لها مكاناً مرموقاً الى جانب أساتذتها في الاخراج.

وقبل البدء بالحديث عن هذا الفيلم ومخرجته، لابد لنا من الحديث أولاً عن دور المرأة في الإخراج السينمائي المصري. فمن بين أبرز الظواهر في السينما المصرية في عقد الثمانينات بروز المرأة ـ من جديد ـ كمخرجة للفيلم الروائي، حيث كان للمرأة المصرية تجارب رائدة في الإخراج السينمائي. فالسينما المصرية عند نشأتها قامت على أكتاف نساء رائدات أمثال عزيزة أمير، فاطمة رشدي، بهيجة حافظ، أمينة محمد، آسيا داغر. فقد قمن باخراج بعض الافلام، إلا انهن لم يواصلن وتفرغن للانتاج والتمثيل فيما بعد. هذا إضافة الى ان دور المرأة قد برز في مجالات فنية اخرى ككاتبة للسيناريو وكمساعدة للاخراج ومنتيرة وغير ذلك، على مدى تاريخ السينما المصرية.

عودة المرأة الى عالم الاخراج السينمائي جاءت كضرورة ملحة لطرح قضايا المرأة المعاصرة. فالسينما المصرية، وعلى مدى تاريخها الطويل، قد أساءت الى المرأة وقدمتها في صورة سلبية، كما أغفلت ـ ربما عن عمد ـ الجانب الايجابي لدور المرأة في المجتمع. فليست المرأة المصرية هي الراقصة أو بائعة الهوى فقط، بل هي ايضاً السيدة الفاضلة القوية التي تتحمل وتواجه مصاعب الحياة بكل صبر وشجاعة.

وبما ان المخرج الرجل هو الذي يصنع الافلام، فالسينما المصرية كانت تعكس ـ في معظمها ـ فكر الرجل التقليدي عن المرأة. لذلك غالباً ما يشوه وضعها الاجتماعي نتيجة جهله لمشاكلها وتخلف موقفه الاجتماعي تجاهها. فالملاحظ بان السينما المصرية قد قدمت المرأة من زاوية علاقتها بالرجل، مع التركيز على الانوثة والاغراء والانحراف، والبعد عن دور المرأة وعلاقتها بالمجتمع، ودورها كانسانة صاحبة رأي أو موظفة محترمة، أو حتى إبراز صراعها مع المجتمع والحياة العامة.

وهذا ـ بالطبع ـ لا ينفي ان تكون هناك افلام قليلة تعد على أصابع اليد، عالجت مواضيع المرأة وقضاياها بشكل إيجابي بناء، مثل افلام (الحرام، ولا عزاء للسيدات، الشقة من حق الزوجة، إمرأة مطلقة). ولكن إبرز الافلام عن المرأة وقضاياها قدمه المخرج سعيد مرزوق تحت عنوان (أريد حلاً) عام 1975، وهو الفيلم الذي كتبته الصحفية حُسن شاه، وقامت ببطولته الفنانة الكبيرة فاتن حمامة. هذه الافلام تقف وحدها أمام كم ضخم من الافلام تجاوز الالفي فيلم، أنتجتها السينما المصرية عبر مسيرتها الطويلة.

لذا علينا ان نشير الى جانب هام في هذا الموضوع، وهو ان الخطر لا يمكن فقط في التشويه الذي تعرضت له المرأة في تلك الافلام، ولكنه يتجسد ايضاً في تصدير هذا التشويه الى المرأة كمتلقية لمثل هذه الافلام الشاذة. وتبقى الاشارة الى هذا التساؤل الذي يطرح نفسه دائماً على الساحة السينمائية المصرية، وهو.. هل إستطاعت المرأة المخرجة ان تساهم في إبراز قضايا المرأة الملحة، وذلك من خلال الافلام القليلة التي قدمتها؟! وهل إستطاعت ان توجد لها مكانة بارزة في عالم الاخراج السينمائي المصري الذي سيطر عليه الرجل طوال هذه السنين؟! والاجابة على هكذا تساؤل ليست بالامر اليسير، بل ولا تأتي إلا من خلال متابعة لصيقة لمجمل ما قدمته المرأة من افلام، ثم ان الاجابة لا تكون بنعم أو لا، فالمسألة نسبية ولا يمكن تحديدها هكذا بشكل مطلق، وهي ايضاً تحتاج الى بحث متواصل ليس مجاله هنا. ونكتفي بذكر أسماء المخرجات اللواتي قدمن تجاربهن، وهن: نادية حمزة، نادية سالم، بالإضافة الى مخرجتنا إيناس الدغيدي.

إذا كانت نادية حمزة قد طرحت إسمها بشكل تجاري مباشر في فيلمها الاول (بحر الاوهام ـ 1983)، ونادية سالم قد أشارت الى موقفها الايجابي من الثقافة الوطنية في فيلمها (صاحب الادارة.. بواب العمارة ـ 1984)، فان إيناس الدغيدي قد قدمت نفسها بشكل لافت للنظر لجرأة الموضوع الذي تناولته في فيلمها (عفواً أيها القانون).

بداية إتصال المخرجة إيناس الدغيدي بعالم السينما كان عام 1971، عندما دخلت معهد السينما وتخرجت منه في عام 1975، والتحقت في البداية بقسم الانتاج. وأثناء دراستها بالمعهد إشتغلت كمساعدة مع كبار المخرجين المصريين، أمثال: صلاح أبوسيف (الكذاب ، السقامات)، كمال الشيخ (على من نطلق الرصاص)، هنري بركات (أفواه وأرانب)، كما عملت كمساعدة مع العديد من المخرجين الشباب لمدة عشر سنوات، وآخرهم كان يوسف فرنسيس في فيلمه (عصفور من الشرق). بعدها باشرت بالاعداد لفيلمها الاول والذي عثرت على فكرته بالصدفة أثناء قراءتها لكتاب صغير لضابط شرطة (نبيل مكاوي) كان قد سجل فيه تجربته الشخصية كضابط. عندها أصرت على تطوير هذه الفكرة وتقديمها في أول افلامها. فبدأت مرحلة التحضير الاولى مع السيناريست إبراهيم الموجي. وأثناء مرحلة التحضير تحدثت المخرجة مع بعض أساتذة القانون للإستشارة، فوجدت البعض منهم يعترض على هذا القانون مثار التقاش في الفيلم، ويطالب بتغييره ، مما أعطاها دافعاً قوياً ببإستمرار في تنفيذ الفيلم بعد ان مانت خائفة ومترددة قليلاً.

تقول إيناس الدغيدي: (...وجدت ان وراء القصة قانوناً لم أكن أعرفه تماماً مثلما لا تعرفه ملايين النساء مثلي. لقد كان الموضوع كله مفاجأة لي، فأردت ان أفاجيء به الجميع كي يعرفوا بان هماك قانوناً ينتمي الى محاكم التفتيش التي تم إلغاؤها منذ عهود بعيدة، المهم انني شعرت بالظلم الكبير الواقع تجاه المرأة فأردت تصحيح الاوضاع المائلة...).

الفيلم في فكرته وموضوعه يبرز ذلك التناقض الموجود في القوانين الوضعية التي تحكم مجمل العلاقات الاجتماعية من خلال التفريق في الحكم بين الرجل والمرأة. ففي قضية معينة يصدر الحكم على المرأة بالسجن خمسة عشر عاماً مع الشغل والنفاذ، باعتبارها جناية، بينمايكون الحكم في نفس القضية على الرجل بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحة فقط.

وتكمن أهمية الموضوع الذي طرحه الفيلم ليس من منطلق الدعوات السطحية لمساواة المرأة بالرجل، بل من منطلق التشريع والعدل في الاسلام، وهو بالتالي لا يهدف الى المساواة فقط، بقدر ما يهدف الى محاربة الجريمة ذاتها وحماية المجتمع من أضرارها، بغض النظر عن إذا كان المجرم رجلاً أم إمرأة.

ان المخرجة التي شاركت في كتابة الرؤية السينمائية والسيناريست ابراهيم الموجي قد إتبعا عدة وسائل للوصول الى الهدف الذي يسعى اليع الفيلم، لكنهما لم ينظرا بعين الاعتبار الى بعض الاخطاء البارزة التي حواها السيناريو. فاعتراف الزانية بواقعة الزنا علناً في المحكمة والملابس الداخلية التي أحضرتها الشرطة لزوجها لهما كدليل إثبات قوي لم يستخدمعما السيناريو في الدفاع عن المتهمة، دون إعطاء مبررات مقنعة لذلك.

نجح السيناريو في تقديم نموذج الرجل الشرقي الجاهل غير المثقف (فريد شوقي)، والذي يحمل في أعماقه مفاهيم وموروثات دينية ودنيوية خاطئة، غير انه لم ينجح في إنهاء الفيلم بشكل مناسب. فالفيلم إنتهى فعلاً بعد النطق بالحكم في المحكمة وخلوها تماماً إلا من المحامية المحبطة أمام خسارتها للقضية، فالمشاهد التي تبعت ذلك لم تعط أي إضافة لفكرة الفيلم الرئيسية.

ومثلما نجح الفيلم، نجحت المخرجة في قيادة فريق العمل من فنانين وفنيين بشكل ملفت، وقدمت فيلماً جيداً يطرح قضية جريئة جداً من خلال الصراع بين الشريعة والقانون والمجتمع. وبالرغم من ان الفيلم يعالج قضية الزنا، إلا ان المخرجة إبتعدت عن الاسفاف والابتذال وقدمت مشاهد الفراش بين الزوجين في لقطات قصيرة وعابرة، وكذلك لقطات الجنس بين الزوج وعشيقته كانت سريعة إلا ان المتفرج إستطاع الحصول على المقصود في كل لقطة وكل مشهد دون الحاجة الى مشاهد جنسية صارخة ومبتذلة.

المخرجة إيناس الدغيدي في فيلمها الاول، إستطاعت تفادي أخطاء فنية كثيراً ما يقع فيها المخرج في أول أعماله، كما قدمت أسلوباً بسيطاً تقنياً وتجنبت إبراز تكنيك جديد كان بالامكان ان يخدم العمل بشكل أفضل. وقد تأثرت المخرجة بثلاثة إتجاهات سينمائية عايشتها وتفاعلت معها أثناء عملها الطويل كمساعدة. لذلك لم يكن من الصعب في أول تجاربها الاخراجية ملاحظة ملامح من واقعية صلاح أبوسيف، وذلك في مشهد تهجين الثور والبقرة في الريف. ومن رومانسية بركات في المشاهد الغرامية. كذلك تأثرت بايقاعية ورشاقة كمال الشيخ في مشاهد إطلاق الرصاص والانتقال الى المستشفى. صحيح بان التأثر بمن سبقونا ليس عيباً في حد ذاته، وإنما كان على المخرجة ان تتخذ لفيلمها الاول أسلوباً محدداً تنفرد به عن غيرها لابراز شخصيتها السينمائية المستقلة.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004