ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
سعد اليتيم

1985

The Orphan Saad

 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 31 يوليو 1991
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

نجلاء فتحي + أحمد زكي + محمود مرسي + فريد شوقي + شويكار + أحمد بدير + توفيق الدقن 

إخراج: أشرف فهمي ـ تصوير: محسن نصر ـ  سيناريو وحوار: عبد الحي أديب ـ قصة ومعالجة سينمائية: يسري الجندي ـ موسيقى: سامي نصير ـ مونتاج: عادل منير ـ إنتاج: عطية عويس

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

سعد اليتيم

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

شئنا ام ابينا، فالمخرج أشرف فهمي يعد واحداً من المخرجين الكبار في السينما المصرية. ومفهوم الكبار هنا له تفسيران، فهل المقصود بالمخرجين الكبار من يعانون كثيراً لخلق فن مغاير يحمل رؤية فكرية وفلسفية وفنية مختلفة؟ ام هم من يستسهلون الفن ويقدمون كماً هائلاً من الافلام، ليس بها هدف سوى التواجد الفني المتواصل في الوسط الفني.

على ضوء هذين الاتجاهين، نرى مخرجنا أشرف فهمي وبعض المخرجين المصريين، لا يندرجون تحت هذين الاتجاهين، وانما قد خلقوا لانفسهم اطاراً خاصاً يعملون من خلاله، تؤكده اعمالهم السينمائية المتأرجحة بين الاتجاهين. وهي ـ بالطبع ـ خصوصية ليست ايجابية، لمجرد انها تميزهم عن الآخرين، فهي تفضح ذلك التذبذب في المستوى الفكري والفني، وتؤكد بان اي فيلم جيد لهذا الفنان انما هو ضربة حظ وفرتها ظروف وقتية وافقت التجربة الفيلمية نفسها، وتزول لمجرد اكتمال هذه التجربة.

وها هي تجربة أشرف فهمي من خلال مشواره السينمائي الطويل، تؤكد ما نقوله في هذا الخصوص. اننا امام فنان قدم للسينما المصرية الكثير من الافلام تجاوزت الثلاثين فيلماً في عشرين عاماً، لم يعلق منها في ذاكرة السينما سوى افلام قلائل لا تتعدى اصابع اليد الواحدة.. فهل يمكن القول بان أشرف فهمي لايفهم في الاخراج؟ وان الحظ اوقعه بالصدفة في طريق السينما؟ بالطبع هذا غير صحيح، بل ويعتبر هذا مناقضاً للواقع ويعد تهجم واضح على فنان كبير درس السينما على ايدي سينمائيين كيار في القاهرة وامريكا، ونال درجة الماجستير في الاخراج السينمائي من امريكا. كما عمل كمخرج تسجيلي فترة ليست بالقصيرة، وبعد دراسته ومتابعته لما هو جديد في عالم السينما. قدم فيلمه الروائي الاول عام 1971، اي بعد عشر سنوات تقريباً من تاريخ تخرجه من معهد السينما. هذا التاريخ الاكاديمي والثقافي لأشرف فهمي ربما يجعلنا اكثر اصراراً على البحث عن اسلوب فني محدد لهذا الفنان، الا اننا وللأسف نفشل دوماً في محاولتنا هذه، فقد ذكرنا سابقاً عن ذلك التأرجح الفني في المستوى لدى أشرف فهمي وآخرون، حيث ان افلاماً جيدة لمخرجنا مثل: ليل وغضبان، مع سبق الاصرار، ولايزال التحقيق مستمراً.. هي افلام ليست لها علاقة في المستوى بافلام اخرى له مثل: شوق، ميعاد مع سوسو، كرامتي، وغيرها من افلامه الضعيفة. وحتى الافلام التي اعتبرناها جيدة، فهي جيدة فقط نسبة الى افلامه الاخرى والافلام المطروحة في السوق السينمائي. فأشرف فهمي لم يحاول قط الخروج عن نمط السينما التقليدية السائدة، وظل يعمل ضمن إطارها، ربما يوجد هناك طموح لديه لتحقيق افلام مغايرة وجادة الا انه عندما اصطدم باسوار تلك السينما السائدة خضع لها ولم يجرؤ على تجاورها واختراقها.

واذا اخذنا فيلم (سعد اليتيم) الذي انتج عام 1985، سنجده يندرج تحت قائمة الافلام الجيدة التي قدمها أشرف فهمي، فيلم اتيحت له ظروف وامكانيات انتاجية جيدة نسبياً. فهناك موضوع مأخوذ من الموروث الشعبي (اعده الكاتب يسري الجندي) وسيناريو وحوار متقن (كتبه السيناريست عبدالحي اديب) ومدير تصوير متمكن وذو خبرة فنية طويلة هو محسن نصر. هذا عدا المجموعة الكبيرة من خيرة الممثلين المصريين، امثال: محمود مرسي، فريد شرقي، احمد زكي، نجلاء فتحي، توفيق الدقن، شويكار، احمد بدير، كريمة مختار، ابراهيم عبدالرازق، وغيرهم.. كل هذه الامكانيات توافرت لفيلم (سعد اليتيم).

الفيلم ينقلنا الى القاهرة القديمة، قاهرة الازهر والجمالية وباب الشعرية، في الحقبة التي أذنت فيها شمس »الفتونة« بالافول، يراود اي متتبع لهذا الفيلم احساس بان المخرج اراد ان يخلق جواً قبل ان يروي حكاية، اراد ان يرسم خلفية وإطاراً مكانياً للاحداث قبل ان يجسد شخصيات ومواقف واحداث.

اننا هنا نشاهد القاهرة القديمة، من خلال مبانيها ذات المشربيات الجميلة، وحواريها الضيقة، والحمامات العامة والاسواق الشعبية، ولتصبح القاهرة في هذا الفيلم تاريخاً ومكاناً يعبق بلغة ومنطق ذلك العصر. ان الفيلم يعطيك حقاً ذلك الاحساس بالقديم، ولعل ذلك نابع من احساس المخرج بانه يقدم لحكاية معروفة ومغروسة في ضمير الفرد المصري البسيط.. حكاية سعد اليتيم الذي قتل والده بيد عمه، ورباه رجل صالح الى ان يكبر، وحتى ان تشاء الاقدار ان يحب ابنة عمه دون ان يعرفها.

الفيلم كما ذكرنا يتناول عصر الفتوات في الاربعينات، وهو عصر عايشنا تفاصيله من خلال عدة افلام تحدثت عن تلك المرحلة التاريخية، والفتوة هي ان تكون قاتلاً او مقتولاً.. هذه هي لغة ذلك العصر. الا ان السيناريست قد اضاف بعض الرموز وحاول ان يكون موضوعه معاصراً، فالفتونة تبرز عبر واجهة اخرى.. تتستر وراء التجارة التي تجعلك من الاغنياء دون إستخدام القوة، تأكيداً على قوة المال وسطوته.. وهي قوة أنجح وأفعل من قوة العضلات.

وعندما إهتم المخرج أشرف فهمي بتجسيد جو القاهرة القديمة، فهو يؤكد لنا بانه لم يرغب في الاعتماد فقط على سيناريو عبدالحي اديب، الذي حمل الحكاية الشعبية ابعاداً ورموزاً سياسية معاصرة. صحيح بان السيناريو قد تجاوز الكثير من السلبيات الا انه لم يخرج عن إطار التقليد السائد ولم يصل الى درجة عالية من الجودة والاتقان الفني، بل ظهرت هناك بعض الاخفاقات في رسم الشخصيات ومتابعة تصرفاتها. صحيح بان أشرف فهمي قد نجح كمخرج في ان يقدم احداث السيناريو وشخصياته كما رسمها المؤلف، الا انه في نفس الوقت قد فعل ذلك بحرفية متقنة وايقاع متجدد ساهم في انقاذ مضمون شبعت من تقديمه السينما المصرية، مستفيداً من طاقات فريقه الفني من فنانين وفنيين.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004