ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 
فقراء لا يدخلون الجنة

1984

Poor people do not enter paradise

 
 
 
نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 2 مارس 1994
 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

محمود عبد العزيز + آثار الحكيم + محمد رضا + أحمد بدير + يوسف شعبان + سيف الله مختار

اخراج: مدحت السباعي ـ تصوير: سعيد الشيمي ـ تأليف: مدحت السباعي ـ  موسيقى: حسن أبو السعود ـ  مونتاج: عبد العزيز فخري ـ إنتاج: المصرية للسينما ـ حسين ياقوت وخليل عثمان

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

فقراء لا يدخلون الجنة

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

منذ أسابيع مضت تحدثنا عن أول أفلام المخرج مدحت السباعي (وقيدت ضد مجهول)، وفي هذا المقال سنتحدث عن تجربته الثانية في مجال الإخراج السينمائي. فيلمنا هذا الأسبوع هو (فقراء لا يدخلون الجنة - 1983). ومدحت السباعي، محرر وناقد فني بمجلة "صباح الخير" وحاصل بجانب دراسته الجامعية على بكالوريوس المعهد العالي للسينما بالقاهرة قسم الإخراج.. وسبق له أن قام بكتابة سيناريوهات للتلفزيون، مثل (الجريمة والعقاب، الأبله)، وكلاهما مأخوذ عن قصص للأديب الروسي ديستوفسكي.

وقد عبر السباعي من خلال فيلمه الأول عن موقف سياسي واضح، بل وأبدى قلقه من هيمنة السيطرة الأمريكية على الوجود المصري والتاريخ والحضارة المصرية بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد.

أما في فيلمه الثاني (فقراء لا يدخلون الجنة)، فقد تعرفنا على مدحت السباعي كمخرج متميز واع لديه حس سينمائي فكري واجتماعي.. حيث يكتسب فيلمه الثاني بعداً سياسياً واجتماعياً.. ويقدم فيه شخصيات مقهورة حتى النخاع وتعاني من الاضطهاد والظلم الاجتماعي. وهو بذلك يدين التسيب الذي حدث في مرحلة الانفتاح الاقتصادي، والذي سمح ببروز فئة من المستغلين يتحكمون في مصائر الأفراد.. كما يؤكد مدحت السباعي على ضرورة التصدي لهذه الفئة الطفيلية المتسلقة.

في هذا الفيلم - الذي كتب مدحت السباعي السيناريو له إضافة إلى الإخراج - يشاهد المتفرج شريحة اجتماعية قست عليها ظروف الحياة وعركتها الأيام وفجرت في أعماقها اليأس والهزيمة والرغبة الملحة في الدفاع عن المثل الأخلاقية والاجتماعية. فأحمد (محمود عبدالعزيز) في بداية الفيلم، طفل يشاهد بأم عينه والده وهو يقتل والدته الخائنة التي مارست الرذيلة مع أحد شبان الحارة.. وهنا تكمن أول عقدة في نفسية هذا الطفل، الذي ينقل ليعيش في الملجأ بعد أن يتوفى والده في السجن. ثم يكبر أحمد وتستعرض أحداث الفيلم حياة هذا الشاب اليافع الذي يعمل ليل نهار من أجل كسب قوت يومه.. فيتعرض للطرد من عمله وتكثر عليه الديون من الرجل الانفتاحي ياقوت (محمد رضا) ومن غيره من الانفتاحيين الذين مسحت من قلوبهم مظاهر وجوانب الرحمة.

ثم إن أحمد يقع في حب كبير وعظيم لابنة الجيران سلوى (آثار الحكيم) والتي تداوي جراحه وتساعده على تحمل همومه وتقف إلى جانبه حتى يستكمل دراسته في القانون.. ولكن الأيام تأتي على عكس ما يريدان ويشتهيان.. فقد وضع الانفتاحي ياقوت عينه في إطار من الملاحقة المكثفة لخطوات سلوى، بل وراودها عن نفسها أكثر من مرة، لكنها رفضت في الوقت الذي أخذت تشكوه لحبيبها أحمد.. الذي يقرر أن يعود للعمل في الكافتيريا التي قرر أن يتركها وهو يعمل بها كفراش لدورات المياه.. عاد لممارسة هذه المهنة القذرة من أجل أن يسدد أجرة الشقة التي تسكن فيها حبيبة القلب. وبالفعل ينجح في أن يجمع لها المال وهو بحاجة لجنيه واحد ليشتري كتاباً للدراسة، لكنه آثرها على نفسه.. وهنا يكمن الإخلاص والحب الحقيقي.

ويجمع المال ولكن بعد فوات الأوان، فقد أوقع الرجل الانتهازي ياقوت بالفتاة واستطاع أن يعتدي على شرفها، وعند لحظة نزولها من شقة ياقوت منهارة، يكون أحمد صاعداً إليها بالمال، ليلمحها ويشعر بالانهيار والمرارة والإحباط وبأن آماله كلها قد انهارت في هذه اللحظة.

في شقته ينشب صراع مرير داخل أحمد، فهو يعلم تماماً بأن الظروف القاسية هي التي جعلت سلوى تسقط في يد هذا الانتهازي.. لكنه يحبها ويكره في نفس الوقت سقوطها الوضيع، فقد كان يتطلع إلى ذلك اليوم الذي سيجمعه بسلوى في منزل الزوجية، ويتطلع إلى وظيفة محترمة يعوض بها أيام الفقر والذل، كل هذه الأحلام والآمال قد حطمها هذا الانفتاحي الانتهازي ياقوت.. فيقرر التخلص من هذا المجرم، فيهجم عليه في شقته ويرديه قتيلاً.. ويهرب من العدالة، إلا أن النيابة تبدأ بالتحقيق في الجريمة.

خلال هذه الفترة يظهر عرفان بيه (حسين الشربيني) رجل الأعمال الذي يؤمن بالمال وحده على أنه كل شيء في الحياة، ويمثل عرفان بيه الوجه الثاني لياقوت أمام سلوى، فهو يريد منها ما ناله ياقوت، ويغريها بكل السبل ولا يترك لها الخيار فتنهار وتسقط للمرة الثانية.

يشك رئيس النيابة (يوسف شعبان) في أن قاتل ياقوت هو أحمد، فيقبض عليه ثم يفرج عنه ويضعه تحت الخناق حتى يعترف.. ولا يجد أحمد مفراً من ذلك، خاصة وأنه يعيش كابوساً كبيراً يرى فيه والده وهو يقتل والدته، ويرى فيه أيضاً كل من يختزن في عقله من شخصيات مؤثرة في حياته. لذا يتوجه أحمد إلى وكيل النيابة ويقدم له اعترافاً تفصيلياً يعقبه بموقف تأثيري كبير يؤكد فيه أنه فقد عقله. وتكون النهاية مأساوية، حيث سقوط الشخصيات التي تمثل الجانب المشرق بينما الشخصية الأخرى التي تمثل الاستغلال باقية تعيش وترتع على أكتاف الفقراء.

يحتوي الفيلم على عدة موضوعات متفرعة، حاول عن طريقها المؤلف أن يربط بينها فيما يسمى بعقدة الفيلم، لكنه أعطى لهذه الفرعيات الكثير بحيث جاءت خدمته لها موحية أنه كان بالإمكان تخصيص فيلم كامل لكل منها.. وفي محاولته الالتفاف حول الحدث الرئيسي للفيلم سيطرت عليه فكرة قد لا تكون صائبة، وهي التي انتهى بها الفيلم.. ونعني بذلك أنه وضع أمام الفقراء طريقاً مسدوداً لا يعبرونه إلا بالسقوط.. وهو أمر قابل للنقاش ولا يمكن إعطاؤه صف العمومية، خاصة وأن الفيلم ليس فقط إثارة موضوع أو قضية، ولكنه أيضاً معالجة درامية.

أهم العوامل التي تشير إلى أن هناك ما يمكن مشاهدته في هذا الفيلم، هي تلك الدراسة الكاملة والجدية للشخصيات.. حيث يحسب لمدحت السباعي عمق تحليله للشخصية وانعكاس ذلك على حركة الممثل وتعبيراته، بحيث استطاع ففي نفس الوقت أن يفرض نفسه كمخرج يعمل حساباً لمتطلبات كل دور، سواء بالأداء أو الحركة.. وهذا ما يدخل ضمن نطاق منح الممثل البعد المرئي لأبعاد الشخصية، ومن ثم يمكن له تأديتها بما يجعل إيصالها للمتفرج بالصورة الجيدة، فيقتنع بها ويعيش معها خيراً أو شراً.

لعبت الموسيقى التصويرية، التي وضعها حسن أبو السعود، دوراً كبيراً في التعبير عن الحدث درامياً.. ويعد أبو السعود منذ هذا الفيلم كسباً جديداً في هذا المجال، بالرغم من أنه يدين بشهرته لأحمد عدوية، باعتباره ممن عملوا معه في مشواره الفني.. وهو نفسه الذي وضع موسيقى فيلم (العار) ونال عنه جائزة تقديرية.

وسعيد شيمي مدير التصوير، مازال متمسكاً في هذا الفيلم بانطلاقته للصورة.. ويكفيه أن كل المشاهد التي حواها الفيلم صورت في أماكن طبيعية.. ولم يستخدم الأستوديو إلا في اللقطات الداخلية التي تتطلب إمكانيات إضاءة وديكورات معينة، ومما ساعد على جمال الرؤية فيها وتتابعها خبرة المونتير عبدالعزيز فخري.

وفي هذا الفيلم تبرز لنا موهبة الفنان محمود عبدالعزيز، حيث قدم شخصية معقدة وصعبة، وقدمها بكل أبعادها النفسية وتطوراتها السيكولوجية، ونجح في تقمص شخصية أحمد وأداها أداء جيداً ورسخ به مع دوريه في (العار) و(العذراء والشعر الأبيض) أقدامه في عالم التمثيل. كذلك بالنسبة لآثار الحكيم، هذه الممثلة الموهوبة التي قدمت دورها في هذا الفيلم ببساطة وسلاسة وعمق.

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004