ما كتبه حسن حداد

 
 
 
 

Gandhi

1982

غاندي

 
 
 

نشر هذا المقال في مجلة هنا البحرين في 23 مايو 1990

 
 
 

بطاقة الفيلم

 
 

  تمثيل: بن كينجسلي + كانديس بيرجين + إدوارد فوكس + جون جيلجود + تريفور هاوارد + جون ميلز + مارتن شين

إخراج وإنتاج: ريتشارد أتينبوروغ ـ سيناريو وحوار: جون بريلي ـ تصوير: بيلي ويليامس ـ موسيقى: رافي شانكار، جورج فينتون ـ مونتاج: جون بلوم

 
 
 

شاهد ألبوم صور كامل للفيلم

 
       

Gandhi

مهرجان الصور
       
 
 
 
 
 
 
 
 

رؤية

 
 
 
 
 

 (منذ ثمانية عشر عاماً كنت ممثلاً ومنتجاً، كانت حياتي هادئة وبلا مشاكل.. ثم حدث أن قرأت سيرة غاندي التي كتبتها لوفير فيشر، عندئد إنقلب كل شيء.. ومنذ ذلك اليوم لم أتوقف لحضة عن التفكير بإخراج فيلم عن حياة غاندي).

هذا ماقاله المخرج البريطاني ريتشارد أتنبرو عن مشروع حياته، والذي تمثل بإخراجه لفيلم غاندي.

ويواصل المخرج "أتنبرو" حديثه، فيقول: (...لمدة عشرين عاماً ، كنت كلما رفضت أو قبلت العمل في فيلم ، أفكر بشيء واحد هو بمثابة معيار ، إذ أنني أتساءل هل سيساعدني هذا العمل على إخراج فيلمي ؟ ولمدة عشرين عاماً تفاوضت ، وطرقت جميع الأبواب .. رحلت أربعين مرة الى الهند .. وهاأنذا ـ أخيراً ـ أصل الى غايتي...).

(غاندي ـ 1981)، فيلم تهيأت له كافة الإمكانيات، فهو نموذج جيد للإنتاج الهوليودي الضخم، وفيلم ذو رسالة نبيلة وجهها الى العالم الغارق في كافة أشكال العنف الهدام.. فيلم يحكي، على مدار ثلاث ساعات، عن حياة "المهاتما غاندي"، ذلك الإنسان الرافض للعنف والإنقسامات الدينية، والداعي للمقاومة السلمية للتحرر من نير الإستعمار.

نحن أمام فيلم مليء بإعجاب المخرج الشديد لهذا القائد الهندي الكبير .. إعجاباً يذهب ـ أحياناً ـ الى حدود التأليه لهذه الشخصية ، وهو ما حذر منه الرئيس الهندي "نهرو" ، عندما إالتقى بالمخرج "أتنبرو" في عام 1963 ، حيث قال لـ"أتنبرو" أثناء حديثه عن مشروع إنتاج الفيلم : ... أياً كان فيلمك ، فلا تجعل من الرجل إلاهاً .. لقد كان رجلاً عظيماً ، لذا يجب تجنب تأليهه ، رغم أن هذا هو مافعلناه في الهند ... . ورغم هذا التحذير من "نهرو" ، إلا أن المخرج لم يتفاد إحاطة شخصية "غاندي" بهالة أفقدتها شيئاً من إنسانيتها ، وبالتالي جاء الفيلم ـ رغم حسناته الكثيرة ـ ناقص الروح .

لقد قدم الفيلم صورة لـ"غاندي .. صورة خلت من بعض إنسانية البطل ، فسلبته بعض من حجمه الحقيقي ، وأفقدت الفيلم حرارة الإتصال والمعايشة القريبة من هذا الزعيم ، والذي نادى بالإتحاد والتسامح في كل ماقاله وكتبه .. وتفاصيل كثيرة حجبها "أتنبرو" عن فيلمه ، تفاصيل صميمة تخص حياة الزعيم الأسطورة ، منها ـ على سبيل المثال ـ خلافاته الحادة مع إبنه "هريلال غاندي" الذي إعتنق الإسلام وإنشغل في عمليات عقاريات واسعة .. كذلك هاجس العفة الذي طارد المهاتما ، جسده المخرج من خلال سطرين في حوار سريع على لسان زوجته .. ولاشيء يذكر عن الليالي التي كان يقضيها عارياً في فراش فتيات ، لتأكيد صموده ضد رغباته الجنسية .. والكثير من التفاصيل التي تدخل في صميم شخصية "غاندي" حذفها "أتنبرو" فأفرغ الشخصية من بعض إنسانيتها مفضلاً شخصية خارقة شامخة ومبسطة .. شخصية تاريخية أسطورية .

وقد رُشح فيلم ( غاندي ) لإحدى عشر أوسكاراً ، فاز بثمان منها ، ألا وهي : أفضل فيلم ، أفضل مخرج ، أفضل ممثل ، أفضل سيناريو ، أفضل تصوير ، أفضل مونتاج ، أفضل ديكور ، أفضل ملابس .. هذا إضافة الى جوائز الأكاديمية البريطانية للفن السينمائي ، والتي قدمت له جوائز : أفضل فيلم ومخرج وممثل وممثلة مساعدة .. وللعلم فإن كاتب السيناريو للفيلم هو البريطاني "روبرت بولت" ، الكاتب المفضل لدى المخرج الكبير "ديفد لين" ، حيث كتب له أفلام لورنس العرب ، دكتور زيفاجو ، رجل لكل العصور ، إبنة ريان .

25 مليون تحت أقدام القديس العاري :

ما يقارب من الخمسة وعشرين مليون دولار ، وهي ميزانية ضخمة ، وضعت تحت تصرف مخرج الفيلم ، لتحقيق مشروع حياته .. فالفيلم إنتاج بريطاني/هندي مشترك ، ساهمت الهند بمبلغ ستة ملايين دولار أمريكي ، قدمتها الشركة القومية للإنتاج السينمائي الهندي ، وذلك بإيعاز من "أنديرا غاندي" ، على أساس أن تسترد الشركة هذا المبلغ من حصيلة إيرادات الفيلم ، وذلك لدعم صندوق الشركة ومساعدة المخرجين الهنود الشباب .

وبين حلم "أتنبرو" بإنتاج الفيلم وبين تحقيق هذا الحلم ،عشرون عاماً .. فقد كانت هناك الكثير من العقبات التي واجهت إنتاجه ، فلولا موافقة السلطات الهندية على مشروع الفيلم ومساندتها له ، لما كان لهذا الفيلم أن يرى النور .. وكان المخرج قد حصل على موافقة رسمية لمشروع الفيلم من الرئيس "نهرو" ، وذلك عندما أعلن أمام البرلمان الهندي »أن هذا المخرج الإنجليزي صالح تماماً للقيام بهذا العمل« وأن "أنديرا غاندي" قد قرأت بالتفصيل سيناريو الفيلم ، وإقترحت بعض التعديلات الهامة عليه ، كما أعلن المخرج في مؤتمر صحفي بعد عرض الفيلم ، حيث قال : ... بفضل إقتراحات "أنديرا غاندي" ، أمكننا التقدم بأحداث الفيلم ، فنحن لا نقدم فيلماً تسجيلياً يغطي خمسين عاماً من حياة "غاندي" ، بل لكي نكون صادقين مع أنفسنا ، فهدفنا من الفيلم هو تقديم فلسفة وروح "غاندي" ... .

وبالرغم من كل هذه الموافقات الرسمية على مشروع الفيلم ، إلا أن العديد من الصحف الهندية قد أثارت حملة من التشكيك والهجوم قبل تصوير الفيلم .. فقد إستنكرت الصحافة أن يتناول مخرج أجنبي شخصية هندية عظيمة ، كما أن بعض السينمائيين الهنود زعموا بأن "أتنبرو" إنما ينتج الفيلم على حسابهم ، لأن الهند ساهمت في الإنتاج ، في الوقت الذي كانت الحكومة تتردد في منح القروض للمنتجين الوطنيين .. متناسين ـ بالطبع ـ بأن رأسمال الفيلم سيصرف في الهند ، وسيعود للهنود بطريق غير مباشر ، حيث أن ثلاثين ألف ممثل وكومبارس هندي ، تصل أجورهم الى أكثر من ثمانية ملايين دولار ، قد شاركوا في الفيلم .. هذا فضلاً عن إستخدام عدد كبير من المهنيين الهنود ، مابين حداد ونجار وبناء وسائق وخياط في عمل الديكورات اللازمة والقيام ببعض المهمات التي يحتاجها التصوير .

كما أن الإعتراضات في الصحافة قد أثارت قضية الإستعانة بممثلين أجانب لأداء الأدوار الرئيسية في الفيلم ، حيث تردد في المراحل الأولى من تحضير الفيلم ، أن الأسماء المرشحة لتلعب دور "غاندي" ، جميعها من النجوم الأمريكية والإنجليزية ، مثل : ألبرت فيني ، داستن هوفمن ، أنتوني هوبكنز ، جون هيرت ، روبرت دي نيرو .. وذلك لضمان توزيع الفيلم في أمريكا والعالم ، لدرجة أن إحدى شركات التوزيع الأمريكية إشترطت للمساهمة في تمويل الفيلم أن يلعب "ريتشارد بيرتون " دور غاندي ، ألا أن المخرج رفض ذلك وصرح بأنه لم يتخيل أحداً من هؤلاء النجوم صالحاً للدور ، وإنه مقتنع تماماً من إسناد الدور الى ممثل غير معروف .. فقد تعاقد ، بعد ذلك ، مع الممثل المسرحي الإنجليزي ( الهندي الأصل ) "بن كنجسلي" الذي عمل لسنوات طويلة في فرقة سكسبير الملكية .


وكعمل سينمائي ، ليس في فيلم ( غاندي ) ما يبهر أو يدير الرؤوس .. ليس فيه إستعراض للعضلات ، أو إظهار مهارات تقنية فائقة .. إنه فيلم متقن جداً وهاديء ، لا أكثر .

لقد إستطاع "أتنبرو" وفريق عمله الفني ، إعطاء الصنعة حقها ، فجاء الإخراج جيداً .. وكذلك التصوير في مشاهد أغنتها بإستمرار أقوال غاندي .. بالإضافة الى موسيقى حميمية متناسبة والحدث الدرامي .. ويمكننا القول بأن ( غاندي ) فيلم ذو مستوى عادي ، كعمل سينمائي راقي ومُعتنى به جيداً .

 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004