فيلم (فجر الإسلام ـ 1971) من الأفلام التاريخية والدينية الهامة في
السينما المصرية.. فيلم أصبح من بين كلاسيكيات هذه السينما.. فيلم
يتكرر عرضه مع أغلب المناسبات الدينية على مدار كل عام. قام بإخراج هذا
الفيلم الفنان الكبير صلاح أبو سيف، ومثل فيه كل من: محمود مرسي، سميحة
أيوب، يحيى شاهين، وحشد كبير من الممثلين والكومبارس.
قصة الفيلم تصور ما كان عليه الناس في الجاهلية من انحلال خلقي وانحطاط
عقلي وسيطرة للخرافات، إلى أن ظهر الدين الإسلامي في مكة، وكان من بين من
آمن به ابن شيخ قبيلة من القبائل الواقعة بين مكة والمدينة، والذي بدوره
راح يدعو قبيلته إلى هذا الدين الجديد. حينها قام صراع بين الجيلين الجديد
والقديم، الجيل الذي يتطلع للنهوض بالحق والجيل الذي يتمسك بالقديم الباطل.
كتب القصة والسيناريو للفيلم الأديب عبد الحميد جودة السحار، وكان السحار
يكتب في السيرة النبوية والدراسات الإسلامية منذ أكثر من ربع قرن، دارساً
ومحللاً وروائياً، مما جعل (فجر الإسلام) ليس فيلماً على المستوى الروائي
فحسب، وإنما على مستوى الدراسة العلمية التاريخية السليمة.
أما إنتاج الفيلم ، فقد مر بمراحل كثيرة حتى ظهوره على الشاشة. فقد فكر
الفنان مدير التصوير عبد العزيز فهمي في إنتاج هذا الفيلم قبل خمس سنوات من
تنفيذه، وذلك عندما وضع له ميزانية قدرها ثمانين ألف جنيه مصري. وبالرغم من
ضخامة هذه الميزانية حينها، إلا أنها لم تسعفه على إنجاز هذا الفيلم حسب
تصوراته كفنان. فاستعان بمؤسسة السينما، والتي بدورها وضعت للفيلم ميزانية
قدرها مائة وعشرون ألفاً، وأسندت إخراجه في البداية للمخرج عاطف سالم. وبدأ
التصوير، لولا أن حادث تصادم قد وقع للمخرج، فرأت المؤسسة إسناد الإخراج
لصلاح أبو سيف، الذي بدأ العمل من جديد، بعد أن رأي بأن يعيد النظر في بعض
الأدوار، وإدخال بعض التعديلات على السيناريو.
إن (فجر الإسلام) هو أول فيلم ديني أو تاريخي يخرجه صلاح أبو سيف، فقد
عرفناه مخرجاً واقعياً من قبل، في أفلام مثل الوحش، الفتوة، بداية ونهاية،
وغيره من الأفلام التي يعالج فيها واقعاً اجتماعيا أو سياسياً يمس قضايا
مصيرية هامة في أحيان كثيرة. أما في (فجر الإسلام) فيقدم موضوعاً جديداً
عليه، موضوعاً عن ظهور الإسلام والصراع بين المسلمين والمشركين، هذا الصراع
التقليدي الذي شاهدناه في أفلام ودراما تليفزيونية كثيرة. ولكن أبو سيف في
فيلمه هذا اتبع أسلوباً جديداً في تناوله لهذا الصراع، حيث جعله رمزاً لكل
صراع بين التخلف والتقدم، وركز فيه على المعاني الإنسانية النفسية
والاجتماعية في الفيلم، كما أنه اختار الممثلين في أدوار تتفق وإمكانياتهم
وقدراتهم الفنية والأدائية، ونجح في إدارتهم وإدارة جميع من معه من فنيين،
وعلى رأسهم ـ بالطبع ـ الفنان الكبير عبد العزيز فهمي، والذي ساهم بشكل
كبير وهام في إظهار الفيلم على ما هو عليه من مستوى فني جيد. فقد استخدم ـ
هذا الفنان العبقري ـ الألوان بقيمتها الدرامية وليس فقط قيمتها التصويرية
الوصفية، وعبر بالصورة ـ وبشكل خلاق ـ عن الحدث والدراما الداخلية للأحداث
والشخصيات. كما أبدع كادرات سينمائية قوية ذات تكوينات جمالية موحية
ومعبرة، وأضاف بهذا الفيلم الكثير إلى تقنية الصورة في السينما المصرية.