إن فيلم "القادسية" يدور حول المعركة التاريخية التي دارت رحاها بين العرب
المسلمين وبين الفرس سنة 627 ميلادية، ويعتبر الفيلم أكبر إنتاج عربي
تاريخي، حيث وضعت له ميزانية قدرها مليونا دينار عراقي، في حين أن أكبر
إنتاج في تاريخ السينما العربية كان لفيلم "الناصر صلاح الدين" الذي أخرجه
"يوسف شاهين" وكانت ميزانيته مئة وسبعين ألفاً من الجنيهات المصرية.
بدأ الفيلم كفكرة ـ كما يقول مخرج الفيلم ـ في فبراير 1978، وانتهى في مارس
1981، واستغرق التصوير تسعة شهور فقط.
إن القادسية فيلم يثقله التطويل، بسط فيه السيناريو فكان أقل من مستوى حدث
تاريخي كمعركة القادسية.
وجاءت الشخصيات فيه أحياناً مسطحة وجامدة، فعزت العلايلي في دور (سعد بن
أبي وقاص) كان بعيداً عن قوة أدائه في "الأرض" و"السقامات"، كذلك سعاد حسني
في دور (شيرين) كانت رديئة في دور لم يكن يحتاج إلى نجمة السينما المصرية
الأولى.. بينما برزت العراقية شذى سالم في دور (زوجة سعد) لأول مرة على
المستوى العربي والعالمي، كذلك الكويتي محمد المنصور في دور (أبي محجن)
أعطى للدور كل ما يستحقه وأثبت أنه فنان قدير.. أما بقية الشخصيات فكانت في
منتهى الجمود.
الجزء الأول من الفيلم لم نر فيه مشهداً واحداً يشدنا، وإنما يغلب عليه
التطويل في استعراض الديكورات الضخمة لإيوان كسرى. أما الجزء الثاني منه
فكان أكثر إثارة، حيث عرض لنا المعركة التي دامت ثلاثة أيام وليلة بإثارة
وحماس. وكان التصوير هو سيد المعركة بكل تفاصيلها من خلال اللقطات الكبيرة
واللقطات العامة.
إن القادسية خيب آمال كل من شاهده وخصوصاً أن الفيلم من إخراج صلاح أبوسيف
الذي كان يستحق لقب أستاذ الواقعية في السينما المصرية. فهو بعد تجربته
الأولى لمثل هذه الأفلام في (فجر الإسلام – 1971) الذي لم يلق إقبالاً لا
من الجماهير ولا من النقاد.. يبقى أن نقول.. لماذا؟ أو ما الجدوى من الغرق
ثانية في الإنتاج التاريخي الواسع الذي لا يلائم سينمائياً برهن على مقدرة
أكيدة في الأجواء الشعبية الحميمية.
يبقى هذا الفيلم نقطة تحول ليس في مسيرة أبوسيف، وإنما في سجل السينما
العربية.. ويدخل في نطاق التاريخ والتوثيق أكثر منه في قطاع السينما العام.
وفي جريدة "النهار العربي والدولي" يجيب صلاح أبوسيف على هذا السؤال:
س: بالنسبة لفيلميك الأخيرين (الفيلم الجزائري والقادسية) هذا الاتجاه يبدو
لنا مناقضاً مع الطابع الذي تميزت به أفلامك.. فكيف تفسر هذا التحول؟
ج: إنها مرحلة أخرى وليس تحولاً، فأنا أولاً فنان عربي مطالب بأن يقول
شيئاً للإنسان العربي وأنا لا أخرج إلا الفيلم الذي يجيب على أسئلة أطرحها
على نفسي وتؤرقني، والقادسية ـ في الظروف التي تمر بها الأمة العربية ـ هي
رؤيتي للإنسان العربي وكيف أنه عندما يؤمن برسالة ويؤمن بقدراته البشرية
وبذكائه يستطيع أن يخوض أخطر المعارك وينتصر، وهي دعوة لصحوة الإنسان
العربي. أما الفيلم الجزائري فهو تمثيل لمظهر آخر من مظاهر تحول الأمة
العربية أن حرب التحرير الجزائرية قد انعكست على نفسية الجزائري مثلما
انعكست على نفسية المصري والسوري واللبناني والمغربي، وعندما أجسد
انعكاساتها وأحللها فأنا اسجل مرحلة من مراحل طفرة الإنسان العربي ولا يعني
ذلك أنني لن أعود إلى البيئة الشعبية. |