كان محمد كريم مثالاً للفنان الملتزم بفنه، صاحب مباديء لم يحيد عنها طوال
حياته.. إنه فنان يحترم فنه ويرفض أن يخلط بين الفن والتجارة، أخذ على نفسه
عهداً بعدم الابتذال منذ بداية مشواره السينمائي. وكانت بالتالي نتيجة طبيعية
في أنه عاش أغلب سنوات حياته يعاني أزمات مادية صعبة، وكان يتحمل كل هذه
الأزمات دون أن يتنازل عن مبادئه الفنية. فقد كان يستخدم الترام ويسكن شقة
متواضعة بالإيجار، ولم تفلح كل وسائل الإغراء في إقناعه بالتنازل عن أيٍ من
مبادئه، حيث لم تكن لشهوة المال أية سطوة عليه، رغم إنه كان صاحب أفضال كثيرة
بأعماله التي أثرى من ورائها الكثيرون، وهذا ما يفسر إن عدد الأفلام التي
أخرجها على مدى أربعين عاماً، هي عمره الفني، أقل بكثير من عدد الأفلام التي
أخرجها أي مخرج مبتدىء.
كانت له الريادة السينمائية دائماً، فهو أول ممثل سينمائي مصري، وهو أول مخرج
يقدم رواية أدبية للسينما المصرية، وهو مخرج أول فيلم مصري ناطق، وهو المخرج
الوحيد الذي سجل طفولة الفنانة فاتن حمامة على الشاشة، فظهرت فاتن لأول مرة
وهي في سن الثامنة في فيلم (يوم سعيد)، وفي الحادية عشرة في فيلم (رصاصة في
القلب)، وفي الرابعة عشرة في فيلم (دنيا). هذا إضافة إلى أن محمد كريم قدم
أول اللقطات الملونة التي عرفتها السينما المصرية، وذلك في فيلم (زينب)
الصامت. كما أتيحت له فرصة إخراج أول فيلم مصري بالسينما سكوب في فيلم
(دليلة).
كما كان له الفضل في اكتشاف الكثيرين من نجوم السينما المصرية. فهو الذي قدم
بهيجة حافظ في فيلم (زينب)، وسميرة خلوصي في (الوردة البيضاء)، ونجاة علىّ في
(دموع الحب)، وليلى مراد / زوزو ماضي في (يحيا الحب)، ورجاء عبده في (ممنوع
الحب)، وراقية إبراهيم ومديحة يسري وليلى فوزي وسراج منير وزكي رستم وإلهام
حسين، وغيرهم كثيرون.
ومحمد كريم هو أول نقيب للسينمائيين، وأول عميد لمعهد السينما بالقاهرة، وأول
من كتب مذكراته الفنية في جزأين بعنوان (خمسين سنة سينما). وهو مخرج أول فيلم
مصري يعرض رسمياً في مهرجان برلين الدولي عام 1953، ألا وهو فيلم (زينب)
الناطق. وقد نال محمد كريم عدة جوائز تقديرية من الدولة.. ففي عام 1955 نال
جائزة الدولة في الإنتاج والإخراج والسيناريو عن فيلم (جنون الحب)، وهو
الفيلم الذي اضطره لبيع أثاث منزله ليقوم بإنتاجه. كما حصل على وسام الدولة
في الفنون من الدرجة الأولى عام 1963. وحتى بعد رحيله، في السابع والعشرون من
مايو 1972، نال اسمه جائزة الدولة التشجيعية في الفنون.
إن تاريخ الفنان الكبير محمد كريم، والزاخر بكل هذه الإنجازات الفنية، يجعل
منه ـ حقاً ـ رائداً كبيراً، يستحق أن نطلق عليه لقب "الأب الروحي للسينما
المصرية".
|