الأفلام التونسية القصيرة التي عرضت على هامش الأسبوع الثقافي التونسي
البحريني مؤخراً، كانت مناسبة هامة للحديث مرة أخرى، عن أهمية التسجيل في
السينما. هذه التظاهرة قد أثارت لدي من جديد التساؤلات المكبوتة عن تلك
اللامبالاة التي يخصها المهتمين بالسينما والصورة المتحركة عندنا لأهمية هذه
الصورة التسجيلية.
شخصياً.. لا أجد سبب معين ومقنع لتلك اللامبالاة.. فالسينما في كل مكان بدأت
تسجيلية وثائقية، فلماذا يصر المهتمين والمشتغلين بالصورة والسينما عندنا،
على صنع السينما الروائية أولاً ؟! لابد من المشتغلين في الصورة المتحركة في
البحرين، أن يدركوا بأن الأفلام القصيرة التسجيلية، هي في الأساس مرحلة هامة
لعملية التجريب والتعلم على طريقة صنع الصورة الصحيحة ومعرفة إمكانياتها
وقدرتها على التعبير، هذا إضافة إلى اكتساب الخبرة الفنية التي ينطلقون منها
إلى أجواء فنية أرحب وأهم.
ولنأخذ مثلاً عربياً في هذا الصدد.. فمخرجي السينما المصرية الجديدة، التي
انطلقت مع بداية الثمانينات، اكتسبوا تلك الحرفة السينمائية من تجاربهم
التسجيلية الأولى. فلكل واحد منهم تاريخ حافل بالإنجازات في مجال الصورة
التسجيلية، بل وحصلت أفلامهم على العديد من الجوائز من مهرجانات مختلفة، تلك
التجارب التي بشرت بوجود نظرة ثاقبة للمجتمع والواقع المعاش في تلك الفترة.
وهذا فقط، للتأكيد على أن دور الصورة التسجيلية، ليس كما يفهمه الكثيرون
عندنا، دوراً يخلوا من الفن والإبداع. وإنما هو الجانب الأهم والمسكوت عنه من
قبل الأجهزة الإعلامية العربية. فالأمر لا يحتاج إلا إعطاء فرص عمل للموهوبين
من هواة هذا الفن، للاشتغال في مجال هم من أبرز عشاقه.
تاريخ الصورة المتحركة في البحرين، يقدم لنا تجارب كثيرة في مجال صنع الصورة
والفيلم القصير، قام بها مجتهدين ومحبين للسينما، هذا بالرغم من أنهم حرصوا
دوماً على قول قصة أو حكاية ما تتضمن تجاربهم تلك، ولم يكن همهم ـ للأسف ـ
الاشتغال في الصورة وتكويناتها، بل كان الهم هو ما تتضمنه هذه الصورة من
حكاية.
كان من الممكن أن يكون لجهاز التلفزيون دوراً مهما في تطوير أدوات السينما
التسجيلية منذ تأسيسه مع بداية السبعينات، إلا أن هذا الجهاز الحساس قد ركز
على تجارب فيلمية خاصة ونادرة، تتعلق بالتراث والآثار. وحتى لو أن هذه
التجارب قد استمرت، سيكون لها بالطبع دوراً مهماً في تشجيع المشتغلين بالصورة
المتحركة للاستمرار والعطاء.
فإلى متى.. سيستمر هذا التجاهل لدور الصورة التسجيلية والتوثيقية، من قبل
المهتمين بهذه الصورة، وكذلك من قبل الأجهزة الرسمية والمؤسسات الثقافية
عندنا.. تجاهل لا أجد له أي مبرر تماماً. وأهمس بصمت في إذن المشتغلين بهذه
الصورة.. لا تفوتكم فرصة التجريب والتعلم، فهي غايتكم في صنع المستحيل.
|