رغم مرور أعوام طويلة على إنتاجه، يبقى فيلم (البوسطجي ـ 1968)،
علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية.. فيلم يعد ضمن كلاسيكيات
السينما المصرية. وهو فيلم يحكي بصدق عن ذلك التخلف الذي تعيشه
القرية المصرية في تلك الفترة. الفيلم من إخراج حسين كمال في ثاني
تجربة إخراجية له، بعد فيلم (المستحيل ـ 1965)، وهو الفيلم الذي
قدم حسين كمال كمخرج للوسط الفني والسينمائي، ليصبح فيما بعد من
أبرز أعمدة الإخراج في مصر.
يحكي الفيلم عن عباس (شكري
سرحان)، الشاب القادم من القاهرة لاستلام وضيفته كناظر لمكتب
البريد في قرية "كوم
النحل" في الصعيد. والفيلم يطرح عدة خطوط درامية منسجمة ومتداخلة
في بعض، إلا أن
هناك خطان رئيسيان مهمان.. الأول يخص البوسطجي القاهري، والذي يعيش
صراعاً حاداً
بين تصوره للواقع الاجتماعي وتصور أهالي القرية المتخلف لهذا
الواقع. فهو يعيش في
عزلة اجتماعية قاسية ومملة، فرضها عليه أهالي القرية. وفي
عزلته هذه، يحاول كسر حدة الوحدة والملل، فيلجأ إلى فتح رسائل أهل
القرية، يدفعه إلى ذلك حرصه الشديد لمعرفة
ما يدور في هذه القرية.
أما الخط الدرامي الثاني، فهو قصة حب بين فتاة من القرية
(زيزي
مصطفى) وبين شاب من خارجها، لذا تكون الرسائل هي حلقة الوصل
الرئيسية بينهما.
ومن خلال إطلاعه على رسائل القرية، يفاجأ
البوسطجي بهذه العلاقة ويتعاطف معها
كثيراً. إلا أنه، وبسبب خطأ غير مقصود منه، يتسبب في انقطاع خط
الاتصال بينهما،
وذلك بعد أن أثمرت هذه العلاقة جنيناً غير شرعي، فتكون نتيجة ذلك
مقتل الفتاة على
يد والدها الصعيدي (صلاح منصور)، لمحو هذا العار. لينتهي
الفيلم بلقطات قوية ومعبرة
لعباس البوسطجي وهو يبكي ويقطع الرسائل وينثرها في الهواء، وذلك
لإحساسه العميق
بالذنب لحدوث هذه الفاجعة المأساوية.
قصة الفيلم مأخوذة عن قصة للأديب يحيى حقي
بعنوان "دماء وطين"، إلا أن السيناريو استطاع أن يحولها إلى فيلم
سينمائي متماسك، به كل مقومات الفيلم الناجح ، وإن الإضافات فيه
مدروسة بعناية، ولا تشعر المتفرج
بالإطالة أو الافتعال.
يتحدث حسين كمال في هذا الصدد، فيقول: (...أنا حريص
باستمرار على إبراز فكرة المؤلف ثم إضافة فكري الخاص. وفي
البوسطجي قلت وجهة نظري، في الجملة التي جاءت مع المشهد الأخير
"مملكة ثانية".. ولكن لا بد أن أقدم يحيى حقي، وإذا كانت لدي فكرة
أخرى أكتبها وأقدمها للناس. وعموماً فإن اختيار موضوع معين
والإحساس به ثم إخراجه، يعني إنني متفق معه...).
أما عن كتابة الفيلم، فيقول: (....من
المؤكد بأنني وجدت نفسي فعلاً في فيلمي الثاني (البوسطجي)، فبعد
عامين من
التفكير الطويل والتأمل العميق، كان هذا الفيلم مثل لحظة تنوير،
فقد كتبته مع
صبري موسى ودنيا البابا، دون علم صلاح أبوسيف، ثم ذهبت إليه،
وقلت له لن أصنع
إلا هذا...).
|