دعونا نتحدث
عن ذلك الإحساس الغامر، الذي كنا مشحونين به بعد مشاهدة مركزة وحذرة، كانت
النتيجة فيها إيجابية لصالح فيلم شريف عرفه الأخير (مافيا).. ذلك الإحساس هو
أن السينما المصرية، بهذا الفيلم، قد وصلت إلى مستويات تقنية وفنية عالية،
توازي تلك التي يتمتع بمشاهدتها المتفرج في أوروبا وأميركا.. مما يعني بأن
الفيلم لم يأتي بجديد من عنده، كل هذا كان موجوداً منذ سنين طويلة في السينما
العالمية.. فقط احتاج الوقت لكي يأتي ذلك المنتج الجريء والذي يحترم جمهور
السينما عندنا، ليقدم لهم متعة بصرية أخاذة، حتى ولو تكلفت الشيء الكثير.
وهذا ما
يؤكد على أن أزمة السينما المصرية هي في الأساس أزمة إنتاج، وأن هناك فرق
كبير بين المنتج الفنان والمنتج التاجر. فالسينما المصرية في الوقت الحاضر
قائمة على الترفيه أساساً، بينما وظائف السينما الأخرى ليست متاحة (المتعة..
الحلم.. الطرح الفكري والاجتماعي).. والسينما المصرية تفتقد كثيراً لذلك
المنتج الفنان والجريء، الذي لا تهمه الماديات، بقدر اهتمامه بتطوير أدواته
الإنتاجية وبالتالي تطور مستوى الفيلم العربي، والسعي لنجاحه جماهيرياً.
والمسألة ليست صعبة أو مستحيلة.. فقط علينا أن نوفر ثلاثة شروط أساسية لسينما
المستقبل. أولاً وثانياً.. سيناريست ومخرج يمتلكان جرأة مع حرية كاملة في
التخيل والإبداع. وثالثاً.. منتج مثقف
وفنان جريء يؤمن بتقديم الجديد ومستعد أن يقاوم التيار التقليدي في الإنتاج.
لقد كان
الإنتاج في فيلم (مافيا) هو البطل بدون منازع.. إنتاج جريء وسخي، لم يبخل لا
بالمال ولا بالجهد على كل لقطة أو مشهد، مما جعل لأحداث الفيلم مصداقية أكثر
وتأثير أعمق على المتفرج، من خلال زوايا التصوير والإضاءة وكادرات فنية جميلة
ومتقنة، إضافة إلى مواقع التصوير المختارة بعناية فائقة، والمقصود منها إظهار
مناطق جديدة على شاشة السينما، مناطق تمتاز بالجمال الأخاذ، والخروج على
المألوف الذي تعودنا عليه في ظل هذا الكم الهائل من الأفلام التقليدية.
المخرج
المتميز شريف عرفه، عرف كيف يتعامل مع أدواته الفنية والتقنية، مع وجود حرية
إنتاجية تمتاز بالجرأة. وهو كمخرج قد أثبت من جديد بأنه فنان له أسلوب خاص في
التعامل مع الصوت والصورة، وفي اختيار فريق عمله الفني، منذ أول أفلامه
(الأقزام قادمون)، مروراً بأفلام (اللعب مع الكبار، طيور الظلام). في هذا
الفيلم، تبرز موهبة عرفه بشكل أكبر، من خلال اختياره لحجم اللقطات والكادر
الجمالي والإضاءة الدرامية، وجميعها ساهمت بالفعل في إعطاء رونق وجمال فني
يحسب لهذا المخرج وفريق العمل الفني الذي اختاره بعناية شديدة.
|