مع غياب السيناريست محسن زايد.. ينتابنا ذلك الشعور بالحزن والإحباط في نفس الوقت.. الحزن على فقدانه ككاتب متميز قدم الكثير للسينما والتليفزيون.. والإحباط لشعورنا بأن الساحة الفنية تنقصها الكثير من خبرات هذا الفنان المبدع.

زايد رغم أعماله القليلة إلا أنها راسخة في الوجدان وباقية في الذاكرة. ذلك ما ضاعف رعبنا لحظة رحيله المفاجيء ليغمرنا شعور بالفقد لفنان كان محارباً شرساً ضد الاستسهال في الفن، فنان رفض دوماً المحاباة والاستسلام للتقليد.

مشاكس على نحو إيجابي.. فهو فنان يعتني بفنه ويحارب من أجل تواصله مع المتفرج على أرقى صورة. فهو الذي رفض أن يسلم الجزء الثاني من مسلسل حديث الصباح والمساء لإتحاد الإذاعة والتليفزيون، بسبب قيام الجهة المنتجة بإسناد إخراج الجزء الثاني لنفس مخرج الجزء الأول أحمد صقر، حيث صرح بأن هذا المخرج قام بحذف وإضافة مشاهد للفنانة ليلى علوي، دون الرجوع لكاتب السيناريو، مما شوه العمل. لتبادر الشركة المنتجة مرغمة إلى عقد جلسة تصالح بينه وبين المخرج لإزالة هذا التوتر، بينما قامت ليلى علوي بإجراء اتصالات عديدة للتوفيق بين الطرفين والوصول إلى نقطة تفاهم.

قبل ذلك، كانت الأزمة التي صاحبت إنتاج مسلسل ثلاثية نجيب محفوظ، في جزئيه الأول والثاني، بقيادة المخرج الراحل يوسف مرزوق، حيث تعرض الجزء الأول منه لحذف كبير، لدرجة جعلت محسن زايد يطالب بعدم عرض الجزء الثاني من المسلسل، بسبب اعتقاده بأن هناك شخصيات لن تقنع المتفرج نتيجة حذف مشاهد رئيسية تتصل بهذه الشخصيات. هذا إضافة إلى شعوره بالأسى لعرض المسلسل ونجاحه في المحطات العربية قبل عرضه في مصر بعامين، وعندما عرض في مصر اختاروا له وقتاً متأخراً بعد منتصف الليل، مع حذف مشاهد كثيرة منه دون الرجوع إليه.

بالرغم من حصول محسن زايد علي لقب أحسن سيناريست هذا العام في الاستفتاء الخاص بمجلة الإذاعة والتليفزيون والذي رشحه النقاد والجمهور, إلا أن محسن زايد أستاء كثيرا من مسلسل حديث الصباح والمساء, لطموحه بأن يُشاهد المسلسل بصورة أفضل مما بدا عليه، وبرغم كل ذلك فهو يحسد نفسه علي نجاحه ولوجود عملين في وقت واحد بشهر رمضان الماضي ونجاحهما بشكل معقول أعجب الجميع.

فنان بهذا الحذر والخوف على علاقته مع جمهوره، لهو فنان نادر في الوسط الفني العربي والمصري بشكل خاص.. فهو الذي يقول بأنه لن يستطيع أن يكمل الجملة المفيدة التي يريد توصيلها للمتفرج، إلا عندما يكتب آخر حرف في آخر سيناريو يكتبه في حياته. وها هو يرحل بعد أن أكمل آخر سيناريو له (بنت بنوت) وقدمه كهدية لابنه البكر المخرج الناشيء ياسر زايد، ولم يمهله الموت لمشاهدة هذا العمل، الذي ستكون فرحته لو أمهله العمر، فرحتين، فرحة عمل جديد له، وفرحة باكورة أعمال ابنه ياسر.

رحل السيناريست زايد عنا وهو في قمة عطائه الفني والحياتي.. كعادة المبدعين الكبار الذين مروا على هذه الحياة ليتركوا أسئلة كثيرة، إيماناً بأن السؤال لا يموت أبداً.