عرفنا حكاية فيلم (في وادي إيلاه)،
ولكن ما علاقة هذه الحكاية بعنوان الفيلم..؟!..
وهي القصة التي رواها العجوز لابن المحققة الصغير،
يخبره فيها عن هزيمة العملاق الطاغية على يد جندي
ضعيف.. قصة وردت في العهد القديم عن الشاب داود
الذي صارع العملاق حوليات في وادي إيلاه، حين خلع
درعه وتخلى عن خوفه ليواجه هذا العملاق المدجج
بالسلاح، ويصرعه بضربه بحجر بين عينيه، ليتهادى
على إثرها صريعاً.. نلاحظ بأن ملامح العجوز وهو
يروي القصة لا تنم عن فرح بانتصار داود، بل أنها
تعبر عن الأسى الذي يعانيه في مواجهة كان من
الممكن تجنبها، حيث تلك المعاناة التي تعرض لها
وابنه بعد عودته من الحرب ليواجه مصيراً مروعاً،
يجسده الفيلم وكأنه جحيم حقيقي.
عموماً.. فالفيلم يقول بأن العملاق
حوليات هو (الولايات المتحدة الأمريكية)، بكل
آلاتها العسكرية والسياسية، أما داود فنحده يتجسد
أولاً في المقاومة العراقية للاحتلال الأمريكي،
وثانياً، في رجل عجوز يحاول معرفة السر وراء
اختفاء ابنه ومقتله، ليكتشف من خلال رحلة طويلة
مليئة بالألم والمعاناة، بأن الإدارة الأمريكية لم
تفشل فقط في حربها على العراق، بل إنها قد تركت
المجتمع الأمريكي بأكمله يعاني من جروح وآثار
نفسية ستدوم طويلاً.
في فيلمه (في وادي إيلاه)، نجح
الكاتب والمخرج بول هاجيس في الاقتراب من بعض
النتائج والآثار التي خلفتها الحرب في العراق على
جيل الشباب الأمريكي، وتحدث بهدوء عن تلك
التغييرات التي دمرت شخصية المحارب النفسية
والأخلاقية.. وتكمن قوة الفيلم في ذلك السرد
الدرامي ومتابعة تحولات الشخصية الرئيسية النفسية،
فبعد أن كانت شخصية البطل تتسم بنزعة وطنية
متحمسة، فهو مثل الملايين من الأمريكيين، يعارضون
الحرب لكنهم يؤيدون الوطن في مثل هذه المواقف، إلا
أن حقيقة ما صنعته هذه الحرب يغير من موقف الرجل
العجوز ورؤيته إلى النقيض.. حيث يتبدى ذلك في أحد
المشاهد الأولى، عندما يتوقف عند صارية للعلم
الأمريكي ويقوم بتعديل العلم المقلوب، معلناً بأن
الراية المقلوبة تعني الاستغاثة وطلب النجدة..
بالمقابل يصر هذا الرجل في المشهد الأخير من
الفيلم على رفع العلم الذي تركه له ابنه على
الصارية وهو مقلوب وممزق، معلناً بأن كل شيء أصبح
مقلوباً، وأن التمزق هو ما صنعته الإدارة
الأمريكية في العالم من صراع وحروب، امتدت آثارها
على المجتمع والفرد الأمريكي..!!
في (في وادي إيلاه) نحن أمام فيلم
مؤثر وصادق، يتألق فيه الممثل توم لي جونز في دور
مهم، يستحق عنه الترشيح الذي حصل عليه في أوسكار
هذا العام.. هذا إضافة إلى أداء سوزان ساراندون
المذهل في التعبير عن اللوعة والفقد إثر مقتل
ابنها.. أما تشارليز ثيرون فقد نجحت في تقديم أداء
جيد بعيداً عن تأثير جمالها الأخاذ.
|