جيليو بونتيكورفو.. سينمائي مهم، تعرفت عليه
كمخرج.. بعد مشاهدتي المبكرة لفيلمه "معركة الجزائر".. وهو
أشهر أفلامه على الإطلاق.. بونتيكورفو.. هذا السينمائي
الإيطالي.. رحل عن عالمنا في أكتوبر العام الماضي.. بعد افتتاح
الدورة الأولى لمهرجان روما السينمائي الأول.. وكأنه أراد أن
يطمئن بأن حلم من أحلامه قد تحقق..!!
تعرفي بهذا المخرج، جاء في نفس الوقت الذي بدأت
فيه دخول عالم السينما الباهر.. أشاهد وأقرأ بنهم كبير للتعرف
على هذا العالم السحري.. السينما.. حيث وقع تحت يدي كتاب
الناقد سمير فريد (أضواء على السينما المعاصرة).. هذا الكتاب
القيم الذي فتح لدي آفاقاً هامة في معرفتي للسينما.. ووضع
أمامي فضاء واسع مليء بعمالقة السينما العالمية..!!
ولد بونتيكورفو في بتزا الإيطالية عام 1919،
ونشأ في عائلة شيوعية، جعلته ينغمس في حياة الالتزام السياسي،
مستوعباً هذا الالتزام ليسخر كاميرته من أجل الحرية ومواجهة
الفاشية والاستعمار، معتبراً الدفاع عن حقوق الشعوب والتخلص من
بطش الاحتلال من بين أوائل اهتماماته كفنان.
بدأ مشواره مع السينما كمساعد مخرج، ثم مخرج
تسجيلي عام 1953. قدم مجموعة من الأفلام التسجيلية، إلى أن
أخرج فيلمه الروائي الطويل الأول (الطريق الأزرق الطويل) عام
1958. وبالرغم من أن بونتيكورفو لم يكن غزير الإنتاج (خمسة
أفلام روائية ووثائقيين)، إلا أنه اعتبر من كبار السينمائيين
العالميين.. كان يقول دائماً (لن أنجز فيلماً جديداً ما لم
أتمكن من العثور على الموسيقى المناسبة لذلك الفيلم).. وفي
مكان آخر قال (لا حاجة لي إلى إنجاز فيلم إذا لم أعثر على
القصة التي تحرك فيّ الرغبة للإنجاز).
فيلمه الثاني كان (معركة الجزائر)، الذي قدمه
عام 1966، وحصل على جائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية
الدولي، وجائزة النقد في كان الدولي، وعلى أهم ثلاث أوسكارات
(أفضل فيلم، ومخرج، وسيناريو).. وكان الفيلم بمثابة بداية
النجاح العالمي للسينما السياسية (مع فيلمي "التحدي" لفرنشسكو
روزي، و"زد" لكوستا غافراس).. كما يعد انطلاقة حقيقية للمخرج
نفسه.. بعد هذا الفيلم عرفه العالم.. أو بالأحرى عرفه الشعب
العربي بشكل خاص..!! حيث عبر عن ضرورة الكفاح الشعبي المسلح من
أجل الاستقلال. مقدماً رؤية سياسية صريحة ضد مصالح الدول
الاستعمارية.
وقد تابع بونتيكورفو رؤيته السياسية هذه في
فيلمه التالي (كويمادا ـ 1969)، حيث تحدث عن ضرورة الوعي بأن
مصالح الشركات الإمبريالية الكبرى هي التي تحرك الجيوش
الاستعمارية. وإذا كان فيلم (معركة الجزائر) يعتمد على أحداث
تاريخية واقعية، فإنه في (كويمادا) يقدم أحداثاً لم تحدث في
الواقع، إلا أن لها أساس تاريخي.
صحيح بأن الظروف لم تسمح لي بمشاهدة بقية أفلام
هذا المخرج الفذ.. إلا أن هاذي الفيلمين قد وضعا أمامي رؤية
صانعهما بشكل واضح وجلي.. وأكدا على خبرته في التعامل مع
الفيلم السياسي الجماهيري..!!
الفيلمان (معركة الجزائر ـ كويمادا) قد شكلا
وقت عرضهما ظاهرة سينمائية هامة، تبعتهما أفلام أخرى أوروبية..
تناولت دول العالم الثالث ومشاكله السياسية والاقتصادية، بشكل
ملفت وجريء..!! وخروج هذين الفيلمين إلى النور، يكفي لأن يحفر
اسم بونتيكورفو في تاريخ السينما العالمية، كواحد من المؤسسين
لتيار سينمائي هام..!!
|