في فيلم (سواق الأتوبيس ـ 1982)، نحنن أمام شخصية ندر تناولها في
السينما المصرية.. شخصية حسن.. الشاب الذي أنضجته أربع حروب خاضها
بالتوالي، حرب اليمن وحرب 67 ثم حرب الاستنزاف وحرب 73. وبالتالي
فهو شاب عاش أجمل
سنوات عمره بين البارود والنار يواجه الخطر في كل لحظة. وبعد عودته
إلى أهله، كان
عليه أن يخوض حرباً أخرى حياتية. إنه الآن متزوج من الفتاة
التي أحبها وأحبته (ميرفت أمين)، بالرغم من معارضة والدتها. وكانا
قد تعاونا لتوفير حياة سعيدة مع
ابنهما.
لكن.. هل انتهت المعارك بالنسبة
لحسن؟ بالطبع لا.. فهناك أشرس معركة قدر لحسن أن يخوضها.. إنها
معركة أسرية تدور
بينه وبين أخواته البنات وأزواجهن. فورشة الأخشاب الخاصة بوالده
الحاج سلطان (عماد
حمدي) على وشك البيع في المزاد العلني، فالكل يريد الاصطياد في
الماء العكر، حتى
زوجة حسن. صحيح بأنه ينجح في تدبير المبلغ المطلوب لمنع البيع، بعد
كفاح مرير مع
الجميع وبمساعدة رفاقه في الحرب، إلا أن ذلك لا يتم إلا بعد فوات
الأوان.. أي بعد
وفاة الوالد.
الفيلم يبدأ بمشهد استهلالي، يظهر
فيه سواق الأتوبيس حسن (نور الشريف)، وهو يتنبه لحادثة سرقة في
الأتوبيس، فيهم
بمطاردة اللص، ولكنه يتوقف لحظة ويتابع السير بلا مبالاة، تماماً
مثل الآخرين. ونهاية الفيلم ـ أيضاً ـ تكون بمشهد مشابه لحادثة
مشابهة، إنما موقف حسن يتغير هنا،
ويصبح أكثر جرأة وضراوة، إذ يقفز من مقعده ليطارد اللص حتى
يقبض عليه. وبكل الألم
والمرارة والغيظ الذي يعتمل في داخله، ينهال على اللص باللكمات وهو
يلعنه ويلعن
الآخرين، في صيحة غضب مدوية.
نرى كيف أن حسن قد خاض صراعاً
شخصياً للمحافظة على القيم الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية
الأصيلة، ومحاربة ما
أفرزته مرحلة الانفتاح من قيم استهلاكية. وهذا ما جعله يتحول إلى
إنسان إيجابي عندما يرى حادثة السرقة في نهاية الفيلم، حيث يطارد
اللص هذه المرة، ويصرخ في
المتفرج ليقول بأن التفسخ والفساد الاجتماعي الذي يعيشه
المجتمع هو نتاج سلبيتنا
جميعاً.
نرى بأن الفيلم من خلال أحداثه السريعة، يتخذ الصراع طريقاً
للخلاص، ويقدم لنا صراعاً وحرباً في معركة اجتماعية خاضها حسن بكل
جوارحه وهمومه، معركة حقق من خلالها انتصارا رئيسياً، حيث اكتشف
فرسان المعسكر الآخر.. معسكر الشرفاء،
رفاق الحرب القدامى، والذين تشتتوا كل منهم في مكان يبحث عن رزقه.
إنما حين التقوا
جمعتهم الذكريات في مشهد بالغ الرقة والشفافية، مشهد يتجمع فيه
رفاق السلاح في نزهة
خلوية عند سفح الهرم.. فهم جيل من الشباب أعطى وضحى وعاش لحظات
البطولة والانكسار، وجمعهم المعدن الأصيل، الرجولة والشهامة.
نحن هنا أمام فيلم ريادي، يحدثنا عن الأشياء العادية التي يتصور
البعض بأنها ليست موضوعاً للسينما. ثم
أن الفيلم قد تحدث عنها بمرارة وبوعي وصدق وحرارة، دون الوقوع
في المباشرة. فيلم يدين التخاذل ويدعو إلى الصراع المستمر ضد كل
السلبية واللامبالاة التي حلت بهذا المجتمع.. فيلم ينتقد بقوة ذلك
الخراب الذي حل بالإنسان المصري العادي في عصر الانفتاح،
ويتناول ذلك التفكك الأسري والتفسخ الأخلاقي إزاء التغير المفاجئ
في العلاقات
الاجتماعية في ذلك العصر. |