منذ العام 1946، حاول المخرج صلاح أبوسيف تحويل رواية (القاهرة
الجديدة) إلى فيلم بعنوان (فضيحة في القاهرة)، إلا أن الرقابة رفضتها،
وظلت ترفضها حتى بعد الثورة أكثر من مرة.. ولنتصور بأنها رفضت حتى
عندما كان نجيب محفوظ رئيساً للرقابة، الذي رفضها بشدة.. إلا إن إصرار
أبوسيف العنيد قد جعله ينجح في تنفيذها على الشاشة ولكن باسم (القاهرة
30) عام 1966.
يحكي فيلم (القاهرة 30) قصة المجتمع المصري أيام الثلاثينات من خلال
ثلاثة شبان يدرسون الفلسفة وهم على مشارف التخرج. الأول علي طه (عبد
العزيز ميكوي) السياسي التقدمي الذي يؤمن بالثورة الاشتراكية لتغيير
المجتمع. والثاني أحمد بدير (عبد المنعم إبراهيم) الذي يحترف الصحافة،
وهو غير راض عن وضعه المعيشي والاجتماعي والسياسي، إلا أنه يؤمن بأنه
لن يستطيع التأثير في المجتمع وتغييره ما لم يحصل على المال الذي
يساعده في النضال. أما الثالث وهو أفقرهم محجوب عبد الدايم (حمدي أحمد)
الشخص الانتهازي الذي يريد أن يغير ويحسن من وضعه لوحده، وليس تغيير
المجتمع، فهو ينافق ويكذب ويتنصل لأسرته ويفعل أي شيء لكي يصل إلى
مبتغاه، حتى ولو كان ذلك على حساب كرامته. وهماك أيضاً الفتاة إحسان
(سعاد حسني) التي تحب الشاب الثوري علي طه، إلا أنها لا تستمر في هذا
الحب وتقبل بأن تكون عشيقة الباشا (أحمد مظهر) وزوجة محجوب عيد الدايم
في نفس الوقت. وتقبل إحسان بهذا الوضع هروباً من واقع أليم، تحت ضغط
والديها وأخوتها الذين يتضورون جوعاً من جانب، ومن جانب آخر تجد أنانية
حبيبها المشغول عنها بالسياسة وحب مصر. مع أننا نكتشف بأنها لازالت
تتمسك بأفكار حبيبها في تغيير المجتمع، إلا أنها تؤمن في سلك طرق أخرى.
في هذا الفيلم، نحن أمام نماذج بشرية تمثل شرائح معينة من مجتمع
الثلاثينات، قدمها أبو سيف بشكل واقعي مقنع وجعلنا نتعاطف معها بالرغم
من سقوطهم عند أول مواجهة. وهو بذلك يحدد الحل الجذري بالثورة والتغيير
الكلي للمجتمع. ففي مشهد النهاية الذي كله أمل وثقة بحتمية الثورة
وقيامها، نرى الشاب الثوري وهو يطوف بين الناس الخارجين من المسجد بعد
صلاة الجمعة، ويرمي منشوراته في الهواء لتبدو وكأنها طيور الحمام
الأبيض التي ترمز للسلام. هنا يضع أبو سيف الحل لهذا الفساد المتفشي في
قيام المجتمع الاشتراكي.
|