نواصل
الحديث عن علامات مضيئة في مشوار فنانتنا الكبيرة فاتن حمامة.. عندما
بدأت تتجه للمخرجين الشباب.. فقدمت مع سعيد مرزوق في عام 1975، فيلماً
يقدم اسلوباً مغايراً لما تقدمه السينما المصرية آنذاك.. فيلم نجح في
تحطيم الكثير من تقاليد هذه السينما العتيقة.. إنه فيلم (أريد حلاً).
هذا
الفيلم يعتبر أول حوار وجدل بين السينما وقانون الأحوال الشخصية
المصري.. حيث ناقش بشكل جاد مشاكل المرأة العربية وحقوقها، مع محاولته
إبراز الظروف القمعية التي تعيشها في ظل القوانين الوضعية.. وتكمن
أهمية الفيلم في أنه ناقش حق المرأة في طلب الطلاق.. بل وقف بجانبها في
المطالبة بأن تعامل كأنسان مكتمل له الحرية الكاملة في تقرير مصيره..
هذا إضافة إلى كشفه لتلك الثغرات التي يحتويها قانون الأحوال الشخصية
المصري.
الفيلم يطرح قضيته من خلال ثلاث نماذج نسائية.. الاولى وهي صاحبة القصة
الرئيسية (فاتن حمامة)، ترفع قضية طلاق ضد زوجها (رشدي أباظة) الذي
يرفض طلبها هذا. فتبدأ رحلتها الشاقة في سبيل إنتزاع حقها في نيل
حريتها، مستنجدة في ذلك بقانون الاحوال الشخصية، لكنها تخسر القضية
أمام قانون جامد وضعه الرجل نفسه ليعطيه الحق في النيل من حرية المرأة
وكرامتها.
أما
النموذجان النسائيان الآخران، فقد تعرفنا عليهما في المحكمة من خلال
تواجد بطلة الفصة الاولى هناك. فنحن منذ الدخول الاول للمحكمة نجدها
مكاناً بائساً ومزدحماً، يكتظ بنماذج نسائية منهكة تبدو على وجوهها
علامات القهر والظلم. حيث تتحرك الكاميرا بسرعة خاطفة لتنقل لنا عشرات
الوجوه لنساء فقيرات ومتشحات بالسواد، الامر الذي جعل بطلة الفيلم
الانيقة تبدو كجسم غريب وسط طوفان المعدمات البائسات. ومن بين قاعات
وزوايا المحكمة يختار سعيد مرزوق وجهين من هذه الوجوه.
الاول
لمطلقة شابة (سعاد حسين) تحاول الحصول على نفقة لتربية طفليها من زوج
لا يبين الفيلم لماذا طلقها. وأمام التأجيل المتواصل لقضيتها لا تستطيع
الصمود أمام مغريات القواد (سيد زيان) الذي يطاردها فتنحرف بدوافع
الجوع والخوف من المستقبل وتستسلم له في النهاية.
الوجه
الثاني فهو مأساة واقعية لسيدة كبيرة في السن (أمينة رزق) طلقها زوجها
بعد عشرة دامت ثلاثون عاماً ليتزوج بفتاة صغيرة. ترفع هذه السيدة قضية
نفقة عندما تجد نفسها عرضة للجوع والتسول بعد ان أنفقت مؤخر الصداق،
إلا أنها تخسر القضية بعد تأجيلات عديدة مع مطالبة المحكمة لها بدفع
المصاريف كاملة. وزغم ذلك ترفع قضية جديدة لكن الموت لا يمهلها لتسمع
حكم القاضي فيها. وقد جاء موتها هذا ليكون من أصدق وأقوى الطعنات
الموجهة الى قانون الاحوال الشخصية.
من
الملاحظ هنا ، في فيلم (أريد حلاً)، بان القصة الرئيسية والتي أخذت
الحيز الاكبر من الوقت قدمت بشكل سطحي غير مدروس، بينما كانت القصتان
الثانويتان أكثر عمقاً ومصداقية، وان صدقهما هذا قد أدى الى كشف زيف
وإدعاء القصة الرئيسية.
|