كان مشروعاً استثنائياً.. ذلك اليوم الذي قررنا فيه أنا وزوجتي (أم هديل)
اصطحاب بناتنا الثلاث (هديل 10 سنوات ـ علا 8 ـ دنيا 6) إلى السينما..
مشروعاً طال انتظاره بالنسبة لي.. كنت منذ سنوات أنوي تنفيذه، والتمتع
بمتابعة رد الفعل العفوي الذي سيصدر من بناتي الصغار.. وكانت "أم هديل" قد
سبقتني في التعرف على هكذا رد فعل.. حيث صحبتهم مرة وحيدة إلى فيلم من
أفلام الكرتون التي تملئ الصالات.
باعتباري واحداً ممن يقدسون مشروع الذهاب إلى السينما.. فقد كنت دائماً ما
أقوم بتأجيل هذا المشروع العائلي.. حيث أن مشروعاً كهذا لن يكون خال من
الشوائب المتوقعة من أطفال جديدي العهد بالسينما.. أو بالمشاهدة في صالة
العرض السينمائي.. كنت حريصاً ألا أفقد هذه المتعة الشخصية.
بالفعل كنت أنانياً في هذا الاستحواذ على متعة لا تقاوم.. وكنت دائماً ما
أتجنب أي شيء ممكن أن يخدش هذا الاستحواذ.. ومهما كان الدافع قوياً للتعرف
على كيفية تقبل أطفالي لمثل هذا الفن السحري الجميل.. إلا أن هذا الاستحواذ
الأناني كان طاغياً.
دائماً ما كنت أحدث "أم هديل".. هل يعقل بأننا الاثنان مهتمان بهذا العالم
السحري وأطفالنا حتى الآن، لم يأخذوا حقهم من هذه المتعة.. صحيح بأن توفير
قنوات الشو تايم للأطفال في المنزل، قد تم لهم منذ سنوات.. هذا إضافة إلى
أشرطة الفيديو.. إلا أن للمشاهدة في صالة العرض طعم آخر.
كانت بالطبع فرحة الأطفال كبيرة.. عندما أعلنا لهم الذهاب إلى السينما..
وكان الشرط المهم هو استمتاعهم بأكل الفشار (النفيش).. وهو بالطبع من أهم
طقوس المشاهدة. لذا كان اختيار فيلم متميز مثل (شارلي ومصنع الشوكولا)،
بمثابة التعويض في اعتقادنا عن هذا الفقد الطويل لمتعة المشاهدة لدى
البنات.. فأثناء متابعة الفيلم، كنت حريصاً أن أمعن الملاحظة والترقب الذي
سيصدر من (هديل وعلا ودنيا).
وباعتبار أن الفيلم الذي سيعرض هو للأطفال أو لنقل فيلم عائلي.. فقد كانت
الفترة الإعلانية للأفلام القادمة جميعها لأفلام خاصة بالأطفال.. حتى أنها
كانت خالية من الإعلانات التجارية.. هنا لاحظت كيف أن هديل وعلا بدت عليهما
علامات الملل والترقب لفيلم الشوكولا.. الذي سيكون في تصورهم مليئاً
بالشوكولا التي يعشقونها.. لذا كان علي الرد على الكثير من أسئلتهم
واستفساراتهم حول تأخر عرض الفيلم اللذيذ.
فقط لنتخيل.. بأن أطفالاً تعودوا على أسلوب مشاهدة معينة بالمنزل.. وفجأة
تقوم بتغير هذا الأسلوب.. ماذا سيحصل..؟! لاحظت كيف أن هديل وعلا لم
تتحملا كثيراً هذا الجو الجديد فبدأتا في الحديث عن أحداث الفيلم وكأنهما
في المنزل.. فحاولت أن أجد مبررا لهم للسكوت أثناء المشاهدة.. دنيا بدأت
تسأل عن أحداث وشخصيات لم تخطر على بال كاتب السيناريو.. مثل لماذا لا يذهب
البطل إلى أمه.. وأين أمه.. وأسئلة على هذا المنوال.. كانت في دواخلها تكتب
سيناريو آخر للفيلم.
أساساً.. كانت علاقتي بهذا المشروع العائلي.. علاقة المتأهب لمتابعة تجربة
المشاهدة عند البنات.. لذا لم يكن في تصوري الاهتمام بأحداث الفيلم أكثر من
اهتمامي بالتعرف على تجربة الأطفال ومتعتهم بالمشاهدة. إلا أنني لاحظت كيف
أن الفيلم سحرني وشدني إلى أحداثه.. وكانت فقط لحظات قليلة التي سرقتها من
وقت المتعة الشخصية.
هذا المشروع الاستثنائي.. لابد من تكراره بشكل متواصل.. لخلق تلك الروح
المتلهفة على جديد السينما لدى أطفالي.. فالسينما فن لابد من التمتع بسحره
مهما كانت الظروف.. حتى ولو كان سعر التذكرة الواحدة ديناران ونصف
للأطفال....!!
|