مع رحيل النجم الأسطورة.. أحمد زكي.. تعاظمت الخسارة الفنية.. فكلنا يتذكر
رحيل العمالقة.. زكي رستم.. محمود المليجي.. سعاد حسني.. وغيرهم مازلنا
نفتقدهم ونعيش مع أدوارهم الخالدة.. فمثل هؤلاء العمالقة في عالم التمثيل
لا يمكن تعويضهم، ولا يمكن حتى التصور بأن أحداً سيخلفهم أو يحل مكانهم..
فأحمد زكي.. هذا الفنان الذي عشنا معه صعوده إلى القمة منذ بداية
السبعينات.. ومتعتنا كانت حقيقية بتلك الأدوار والشخصيات المتميزة التي
قدمها خلال مشواره السينمائي الطويل. شخصيات كثيرة متنوعة شاهدناها من
خلاله.
ذكر أحمد زكي ـ ذات مرة ـ بأنه لم يضحك بما فيه الكفاية، ولم يبك بما فيه
الكفاية.. لكنه صمت بما فيه الكفاية.. وحين أراد أن يهرب إلى الكلام، وجد
في التمثيل متنفسه.
لقد كان التمثيل ملاذه الأخير، كان بالنسبة له مثل الهواء الذي يتنفسه.. بل
كان كالكنز الذي يختزنه في خلاياه البلورية المليئة بالكثير من المشاعر
والأحاسيس. وإحساسنا هذا بالفقد.. جعلنا نسترجع الكثير من تلك الأدوار
الجميلة والعميقة التي تحمسنا لها وعشنا تناقضاتها.
فمثلاً.. شخصية "أحمد الشاذلي" (العوامة 70 ـ 1982)، المخرج السينمائي
التسجيلي الذي كان يحلم بالتحول إلى مخرج أفلام روائية إلا أن الظروف لا
تسمح له بذلك، لذا نراه يعيش حلماً دائماً وصعب التحقيق، خاصة في الظروف
التي عاشها وعاشتها مصر خلال العشر سنوات الماضية.. إنه ينتمي لجيل ممزق
فقد الكثير من حماسه والتزامه الثوري، وفقد كذلك القدرة على مواجهة الواقع
بشجاعة ففضل الاستسلام للأقدار. وأحمد واع لذلك ولكنه مصاب بمرض جديد هو
اللامبالاة، فعندما يخبره عامل محلج القطن عبدالعاطي عن الاختلاسات في
المحلج الحكومي، لا يحرك أحمد ساكناً وكأن الأمر لا يعنيه، بل ويحاول إلقاء
العبء على خطيبته وداد.
ومن خلال قضية عبدالعاطي تزداد حدة الصراع داخل أحمد الشاذلي، ويصبح غصباً
عنه طرفاً فيه، وعليه مجبراً اتخاذ موقف، ولأنه يعاني بعض الشيء من سيزيفية
اتخاذ القرار، فلم يكن بالأمر السهل خاصة في ظل الأزمة التي وجد نفسه فيها.
من خلال علاقات أحمد الشاذلي بمن حوله تتجسد الأزمة في داخله، ولكن هناك
بقية شجاعة قديمة يمتلكها أحمد زيادة على الوعي الفكري الذي يحمله والذي
يمارس عليه رقابة دائمة. فالمشهد الأخير من الفيلم يوضح لنا موقف أحمد لرفض
ما يدور وإيمانه بأن الحل لن يكون بعمل أفلام عن قضية مقتل عبدالعاطي،
وإنما عن دودة البلهارسيا التي تعيش في نخاع الفلاح المصري.
هذا الفيلم ـ الذي أخرجه خيري بشارة ـ أحد الأعمال الجريئة والجادة التي
ناضلت من أجل قيام سينما متقدمة وسط الكم الهائل من الأفلام التجارية التي
تصيب المشاهد بالتبلد الحسي المؤقت عند مشاهدتها.. كان العملاق أحمد زكي
طرفاً فاعلاً ومهماً فيه.. فهو هنا في دور جعلنا نفهم أبعاد الشخصية بكل
مواقفها السلبية والإيجابية، أكدت على مقدرة هذا الفنان العملاق في تقمص أي
شخصية وإتقانها.
|