على الرغم من مرور أكثر من مائة عام على اكتشاف فن السينما.. إلا أن العصر
الحالي هو عصر السينما بدون منازع.. فهو الوحيد الذي حضر اكتشافها وتميز
بها.. بل وساهم في صياغتها لتصبح الفن الأحدث على مر التاريخ.
وكان من السهل تحديد تاريخ بداية السينما.. حيث اختار الأخوان لومير ليلة
الثامن والعشرين من ديسمبر عام 1895.. ليلة سبت باردة، ليقدما فيها العرض
السينمائي الأول لجهازهما المعروف بالسينماتوغراف، أمام جمهور بمقابل مادي
في مقهى "جراند كافيه" في 14 شارع كابوسين بباريس، والذي كان يطلق عليه
"الصالون الهندي".
كم جميل أن يكون لدينا مثل هذا التاريخ لنحتفل به أو نحيي ذكراه، ولكنه
تاريخ مضلل.. فالسينما ليست اختراعا، بقدر ما كانت حالة تطور معقد.. فهي
تنطوي على عنصر جمالي وتقني واقتصادي بالإضافة إلى عنصر الجمهور.. وهذه
العناصر الأربعة هي التي ستحدد دائماً الصورة التي تظهر على الشاشة في أي
زمان ومكان. تلك العناصر الأربعة هي التي أنتجت الصورة المتحركة التي
نعرفها الأن.. الصورة التي كان لها أصولاً قديمة، قبل الأخوان لومير
والصالون الهندي بكثير.
فمنذ الربع الأخير من القرن الثامن عشر، كان الجمهور قد بدأ يتعرف خبرات
المشاهدة البصرية على نحو مضطرد.. حيث كانت معرفة رجل الشارع بالرسم
والتصوير قد ازدادت ثراء بحلول الطباعة الرخيصة.. وصار الناس أقدر على
معرفة العالم من حولهم من خلال الصور.. وازدهرت وسائل التسلية البصرية
ازدهارا واضحاً خلال القرن السابق على ظهور الصورة المتحركة السينمائية.
فخيال الظل صار موضة في سبعينات القرن الثامن عشر. وبالتالي، فقد أنتج
المزاج العقلاني للربع الأخير من القرن الثامن عشر نزوعاً إلى العروض
المرئية بجميع أنواعها، والتي شاع منها جماهيرياً ـ على نحو غير عادي ـ
الصور الزيتية ذات المحتوى الدرامي. وشهدت تلك الفترة محاولات لإضافة خواص
مشهدية إلى الطبيعة الساكنة ثنائية الأبعاد للتصوير الزيتي على غرار
المناظر المسرحية، بمصاحبة مؤثرات ضوئية رومانسية بسيطة وعناصر ذات ثلاثة
أبعاد تعزز هذه المؤثرات البسيطة.
ثم جاءت الـ"الديوراما"، التي تعتمد على إضاءة صورة بها أجزاء شبه شفافة من
الخلف بطريقة شديدة التعقيد بمجموعة من المصابيح والغوالق لإحداث تأثير
بتغيير الإضاءة وتبدل المشاهد.. هذه الـ"الديوراما" التي اكتسبت شعبية
كبيرة، ساهمت في إنتاج جهاز "صندوق الدنيا" للاستعمال المنزلي.. الذي عرضت
من خلاله فيما بعد أولى الصور المتحركة.
أما "الفانوس السحري"، فقد كان من بين جميع وسائل التسلية البصرية شعبية..
باعتبار أن مع هذا الجهاز، بدأت تقنية السينما بالمعنى الضيق للكلمة. فأفضل
أجهزة العرض السينمائي، لا يزال ـ من حيث المبدأ ـ فانوساً سحرياً، بينما
شريط الفيلم وآليات تحريكه بديل أكثر تعقيداً من شريحة الفانوس القديمة
البسيطة. وقد عُرف هذا الجهاز منذ القرن السابع عشر، وكان العارضون يطوفون
به من قرية إلى قرية. غير أن عارضي الفانوس السحري، ومنذ البداية، لم
يكونوا قانعين بالصورة الثابتة، وكانت هنالك طوال الوقت محاولات مستمرة
لتحريك هذه الخيالات على الشاشة.
|