في مذكراته "المصباح السحري"، تحدث المخرج السويدي "أنغمار بيرجمان" عن الصداقة، فقال:

الصداقة مثل الحب، وجوهر الصداقة يقوم على الصراحة والعاطفة والصدق. من المريح أن ترى وجه صديقك أو تسمع صوته بالهاتف وتتحدث معه حول أمور مؤلمة وملحة، وتسمعه يعترف بما يخشى التفكير به. إن للصداقة لمسة من الحسية، فشكل الصديق ووجهه وعيناه وشفتاه وصوته وحركاته ونبرة صوته، كل هذا محفور في ذهنك، مفتاح سري يمنحك الثقة لأن تبوح بنفسك في صداقة حقيقية.

إن علاقة الحب تنفجر متحولة إلى صراعات لا يمكن تفاديها، أما الصداقة فلا تحتاج إلى الرغبة نفسها من الاهتياج والتعقيم.

الصداقة لا تعتمد على الوعود والاحتجاجات أو على الزمان والمكان. الصداقة غير متطلبة إلا في أمر واحد. إنها تتطلب الصدق، وهو مطلبها الوحيد، ولكن الصعب.

كتب أحد أصدقائي من الممثلين دراما إذاعية رائعة المستوى فسألته إذا كان بإمكاني أن أخرجها. بعد بضعة أشهر عرضت عليه أن يؤدي دوري الشبح والعازف الأول في (هاملت) واحتد النقاش بيننا، ثم خذلني. شعرت بالغضب وقلت له إنني في هذه الحالة لن أخرج مسرحيته الإذاعية، فأصيب بالصدمة وأجاب إنه لا يرى الصلة بين الأمرين، والتي كانت واضحة بالنسبة لي. وبعد أخذ ورد أنهينا خلافاتنا دون أن يبدل أحدنا مواقعه، لكن صداقتنا كانت قد تأثرت.

كان أحد أصدقائي من الشخصيات الاجتماعية والسياسية الناجحة يعيش حالة خوف عصابي من كل أشكال العدائية المباشرة. وكنت أحب أن استمع إليه لأنه يعلمني أشياء كثيرة. ومنذ سنوات حاضر بي طويلاً عن مستواي المتذبذب في سوق الفيلم العالمي، الشيء الذي كنت أعرفه أكثر من أي شخص آخر، وفي المرة الأخيرة التي عاد يتحدث فيها عن الموضوع نفسه انفجرت غاضباً ونصحته بعبارات غير مباشرة أن يصمت ويذهب إلى الجحيم، ثم اقتضى الأمر سنوات أخرى حتى استطعنا استعادة صداقتنا.

وبشكل عام لا أوهام عندي بشان موهبتي للصداقة. أنا مخلص للغاية لكنني مرتاب جداً. وإذا فكرت بأن أحداً خانني فإنني أرد له الخيانة بسرعة، وإذا قاطعني أحد أقاطعه فوراً. إنها موهبة مشكوك بأمرها وذات طابع برغماتي بحت.

أجد صداقة النساء أكثر سهولة. فالصراحة واضحة (كما أحب أن أعتقد) لا مطالب فيها (كما آمل). الإخلاص غير قابل للخدش (كما أتصور). الحدس يتحرك بلا تحامل أو ضرر، العواطف غير مقنعة أو متنكرة ولا دخل للصيت والشهرة. الصراعات تنشأ غير معدية.