إصدارات حداد

 
 
 
 

في كتابه «محمد خان سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة»

حسن حداد: خان عاشق للسينما يبحث عن تجديد دائم

القاهرة – فاروق محمود

 

الإصدار الثاني

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مؤلف هذا الكتاب هو حسن حداد، الكاتب المتخصص في النقد السينمائي، وهو عضو في نادي البحرين للسينما منذ عام 1985، وله العديد من المقالات والدراسات السينمائية التي نشرت في الصحافة المحلية والخليجية، وقام أيضاً بتقديم برامج عن السينما لإذاعة البحرين، مثل "أفلام وأفلام - مشاهير - مجلة السينما"، ومن إصدارات المؤلف كتاب "ثنائية القهر- التمرد في أفلام عاطف الطيب".

في مقدمة الكتاب يقول المؤلف أن محمد خان، هو أحد أبرز الذين أثروا في السينما المصرية في جهة التجديد، فهو يعيش في بحث دائم عن إطار وشكل جديد لأفلامه، يميزها عن بقية ما أنتجته السينما السائدة، فهو فنان يعشق السينما ويمارسها كما يتنفس الهواء، يصور باستمرار متوغلاً في بحثه الدائم هذا، ولمناقشة أسلوب ومميزات محمد خان اليسنمائي، لابد من استعراض كامل وموسع لمجمل أفلامه، وذلك لرصد تطوره الفني والتقني من خلالها والتعرف علي مضامين وأفكار كونت ما يسمي بــ"سينما محمد خان".

يبدأ المؤلف الرحلة في أفلام محمد خان بفيلم "ضربة شمس" أولي تجاربه الروائية الفيلمية، التي اتضحت فيه قدراته كمخرج، يمتلك أسلوباً خاصاً يميزه عن بقية المخرجين المصريين علي صعيد النقاد، ويندرج هذا الفيلم ضمن نوعية الأفلام البوليسية، والتي تعتمد علي الإثارة والتشويق، وتجسيد الصراع القائم بين قوي الخيروقوي الشر.. ورغم قصة الفيلم البوليسية، إلا أن محمد خان قدأعطي اهتماماً خاصاً لشخصياته، باعتبار أن سينما محمد خان قائمة أساساً علي الشخصيات والتفاصيل لصغيرة المحاطة بها، أكثر من قيامها علي الحكاية "الحدوتة".

فنري شخصية شمس "نور الشريف" هذا المصور الشاب الذي يحب التصوير لدرجة العشق ولكنه كفنان يصطدم بواقعه الصعب عندما يفكر في الزواج، ويعيش في صراع دائم مع مجتمع ينظر إلي الفن نظرة دونية سطحية، لذلك نراه يمتلك اصراراً رهيباً في تحدي هذا الجهل المخيف والمسيطر في نفس الوقت، لكن الفيلم لم يوضح هذا الصراع ولم يعمل علي إبرازه، بل واعتبره هامشياً، واهتم فقط بالجانب التجاري الذي يتجسد في كون الفيلم بوليسياً.

وفي فيلمه الثاني "الرغبة"، يصل محمد خان إلي مرحلة أكثر وعياً ونضجاً في السيطرة علي حرفيته الفنية والتقنية، فقصة الفيلم تدور حول رجل الأعمال جابر الذي أحب هالة، وبين الاثنين عشر سنوات فراق، في خلال هذه السنوات تزوجت هالة وأصبحت أماً، بينما أصيب جابر في حرب 1967 إصابة تجعله عاجزاً جنسياً وهو يعود مرة أخري في محاولة عبثية منه لإعادة الزمن إلي الوراد، واستعادة حبيبته التي اختطفت منه، متجاهلاً الحرب التي اغتالت رجولته، وهو بذلك يطلب المستحيل، وأمام هذه الشخصية السلبية والأنانية وحتي يكون هناك توازن منطقي تقف شخصية حبيبة الة التي عهي بالمقابل واقعية جداً، فهي ترفض رغبته في عودة العلاقة بعد أن أصبحت زوجة وأم ويأست من رجوعه.

ونري في فيلم الرغبة، محمد خان يقدم فيلماً يعتمد علي مهارة التمثيل وإمكانيات الإخراج، فيلم يكشف عن مخرج متمكن من أدواته وأسلوبه السينمائي، حيث يقدم فيه لقطات ذكية ومدروسة بعناية.

صراع المدينة والريف

وينقلنا الكتاب مع أفلام محمد خان من المدينة إلي الريف، في فيلم "خرج ولم يعد" الذي يدعو فيه محمد خان بشكل غير مباشر للهرب من المدينة إلي الريف ، وذلك بالرغم من العشق والولع بالحياة في المدينة لأفلام خان ، ويأخذنا محمد مع بطله عطية "يحيي الفخراني"، لنتابع رحلة هذا الشاب في بحثه عن أسلوب جديد للحياة، بعد أن ظلمته المدينة، فيقرر الذهاب إلي الريف لبيع قطعة أرض يمتلكها هناك كحل لأزمة الشقة، ولظروف طارئة يمكث فترة ليست بالقصيرة، يجد بعدها نفسه في صراع داخلي بين العودة إلي المدينة التي اعتادها رغم قسوتها وبين الاستقرار في القرية التي جذبته ببساطتها وطبيعتها الساحرة، في النهاية يحسم هذا الصراع لصالح الريف الذي وجد نفسه فيه.

ونري بهذه الفكرة البسيطة جداً للفيلم، أن محمد خان قد نجح في كسب تعاطف المتفرج مع بطله عطية، وذلك عندما سخر كافة أدواته الفنية والتقنية لتجسيد فكرة الصراع بين المدينة والريف، إلا أنه جسد هذا الصراع بشكل لا يرتبط بالواقع الاجتماعي والاقتصادي، وإنما جعله محصوراً في البيئة فقط.

ويعود المخرج محمد خان إلي المدينة مرة أخري، ليقدم فيلم "أحلام هند وكاميليا" الذي يقدم لنا مجتمع القاهرة الحقيقي من خلال خادمتين ولص ظريف، فالقاهرة بشوارعها وأزقتها وبكل ضجيجها وفوضويتها، تحتل موقعاً هاماً وبارزاً في أحداث الفيلم وتتحكم في مصائر الشخصيات، والفيلم بسيط وممتع تتداعي فيه الأحداث مع الشخصيات فشخصيات الفيلم لا تنتمي إلي طبقة مستقرة إجتماعياً وإنتاجياً، وبالتالي في لا تمثل إلا ذاتها، ولا تربطها بالآخرين إلا علاقات تحكمها عوامل ميشية قائمة أساساً علي المصلحة والمنفعة المشتركة ولا تحكمها مثلاً علاقات القرابة وأواصر الرحم.

نظرية أحادية

أما في فيلم "أيام السادات" الذي يعتبر حدثاً هاماً بالنسبة للسينما المصرية، نجد النجم أحمد زكي في آداء رائع وممتاز، فكان كل الفيلم حيث قام بدراسة الشخصية من كل جوانبها النفسية والعاطفية، ونجح في تقمص الشخصية وليس تقليدها، وبذلك أستطاع أن ينقذ الفيلم من الفشل الجماهيري بسبب ضعف السيناريو الذي اعتمد علي تقديم نظرية أحادية الجانب، هذا بالإضافة إلي أن مهمة كاتب السيناريو كانت مهمة مستحيلة، عندما يتناول فترة تاريخية طويلة من حياة الرئيس السادات، ولكن يمكن أن نقسم السيناريو إلي قسمين، الأول يتناول حياة السادات قبل وصوله للرئاسة، والآخر يتناول حياته بعد أن أصبح رئيساً، ونري فيه أسلوب المخرج محمد خان، المهتم بالشخصيات والتفاصيل الصغيرة، وأنه مخرج لا يهتم بالحدوتة، وهذابالضبط ما وجده المخرج محمد خان في شخصية السادات، فهي شخصية ثرية درامياً، مليئة بالتناقضات، والتباينات المثيرة، ولحظات القلق والتوتر، وفترات صعود وهبوط، وتأرجح ما بين الحياة والموت.

ولكن في فيلم "أيام السادات" لم نجد بصمة المخرج محمد خان الواضحة كمخرج له رؤية إخراجية فنية وفكرية خاصة وتصاحب نظرية سينما المكان في السينما المصرية، صحيح بأن الإخراج كان متقناً في الكثير من المشاهد كحرفية وهذا راجع لخبرة المخرج الكبير إلا أنه كان ضحية سيناريوضعيف.

إنفراد وتميز

بعد استعراض كامل وموسع لأفلام المخرج محمد خان، يحاول المؤلف الدخول في عالم محمد خان الفني والفكري فيذكر، أن أهم ما يميز محمد خان كمخرج كونه لا يفكر في المتفرج أثناء تنفيذه لأي من أعماله  بل أنه لا يصفه في اعتباره، وهذا ما جعل من محمد خان فناناً يمتلك بعض الحرية في التعبير عن قضايا ومشاكل تشغله وتخصه هو بالذات كإنسان وفنان، كما جعله يتخلص من قيود هذا المتفرج الكسول وقيود السينما التقليدية بشكل عام، وبالتالي إطلاق العنان لخياله الفني لاستحداث وابتكار أشكال فنية جديدة.

ويأتي محمد خان بأفلام ذاتية، بمعني أن هذه الذاتية تشكل طريقاً وهدفاً حقيقياً للتعبير بصدق وأمانة عما يشعر به الفنان تجاه مجتمعه، فهو يقوم دائماً بكتابة قصص أفلامه ويشارك في كتابة السيناريو لها، حرصاً منه علي أن تتضمن أفكاراً وشخصيات هي في النهاية عبارة عن مجموعة من الهواجس الذاتية.

متعة سينمائية

وتتميز أفلام خان بخاصية المتعة السينمائية، وجرأته الفنية في النزول بكاميراته إلي الشارع، فهو الذي جسد عشقه لشوارع القاهرة من خلال متابعته لمغامرات بطله المصور في أول أفلامه "ضربة شمس" لدرجة أنه أصر علي تصوير مشهد كامل ومعقد في مطعم قريب من سينما مترو، وهو الذي جعل من حياة سائق تاكسي موضوعاً سينمائياً، وخلق جواً خاصاً في تنقله بين الطرق الطويلة المتميزة بين المدن في فيلم "طائر علي الطريق" وانتقل في فيلمه "موعد علي العشاء" إلي الشوارع الخلفية والجانبية ذات الملامح الخاصة بالاسكندرية.

لكن محمد خان يتمتع بأسلوب عمل مختلف فهو صارم وشديد الحساسية في آن واحد أثناء التصوير، فبالرغم من أنه يكتب قصص أفلامه ويشارك في صياغة السيناريو لها، إلاأنه يرفض الاستماع لآراء الآخرين أثناء التصوير كما أنه له فلسفة ورأي خاص بالنسبة للسيناريو، فهو يري بأن هناك مخرج منفذ للسيناريو ومخرج مؤلف أو خالق، له فكرة الخاص، وبالتالي فهو يري أن السينما أساساً هي سينما المخرج مائة بالمائة، حيث ينسب الفيلم لمخرجه ويكون مسوولاً عنه مسئولية كاملة، أما عن أسلوبه في التعامل مع الممثل، فهو جدير بأن يجعل منه طاقة فنية خلاقة، بإمكانها أن تثري الشخصية التي يقوم بتجسيدها بتفاصيل مهمة، وتجعلها أكثر مصداقية وواقعية، وبالتالي أكثر وصولاً للمتفرج.

وفي خاتمة الكتاب تبقي الإشارة ضرورية إلي أن هذا الفنان يمتلك إصراراً عميقاً علي صنع السينما التي يريدها والتي تعبر عنه بصدق، رغم تواجده في ظل عجلة إنتاج سينمائي فقير، وهو بذلك يعيش في صراع دائم وغير متكافئ، ويقف صامداً مع قلة من زملائه الفنانين أمام تيار السينما التقليدية السائدة، وهذا لأنه مؤمن تماماً بأن السينما التي يصنعها هو وزملاؤه سيكون لها تأثيراً كبيراً علي عين وذوق المتفرج العادي، والذي بدأ بالفعل الارتقاء باهتماماته الفنية وحسه الجمالي.

- الكتاب : محمد خان سينما الشخصيات والتفاصيل الصغيرة  

- الكاتب : حسن حداد  

- الناشر : وزارة الإعلام والثقافة والتراث الوطني  

- الطبعة :  البحرين -2006  

 

الوسط البحرينية في 

5 أبريل 2007

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2018)