كيف لمتابع مثلي.. أن يشاهد تألق نيكول كيدمان من فيلم إلى آخر، ولا
تستحوذ عليه بسحرها الأدائي الأخاذ.. وحتى بجمالها الصارخ وحيويتها
المجنونة.
وباعتباري أحد عشاق فنها الجميل.. أجد نفسي مذهولاً أمام المتألقة
دوماً نيكول لمشاهدة فيلمها الجديد.. فهي مع كل فيلم جديد تؤكد لنا
بأنها فنانة قادرة على فعل المستحيل.. وفيلمها الأخير، أقصد
(المترجمة)، كانت فيه وكأنها في ريعان شبابها إضافة إلى تألقها
الأدائي.. شعرت ساعتها بأن هناك سحر خاص لدى صناع الأفلام، وبالذات
صناع هوليوود، يستطيعون من خلاله إعادة الشباب إلى نجومهم.. وإلا ما
هذا الذي أرى.. هل هذا نابع من سحر بنت كيدمان نفسها.. أم ماذا؟! كانت
بالفعل مشاهدة ممتعة.. وتجربة لا تنسى.
منذ فترة ليست بالقصيرة.. وأنا في حالة الكتابة عن هذه الفنانة
الاستثنائية.. فهي التي لفتت انتباهنا
أولاً في الفيلم التليفزيوني (Bangkok Hilton)
عام 1989.. وبعدها عام 1992 في فيلم (Far and Away)
مع النجم توم كروز.. ثم عام 1998 مع ساندرا بولوك في (Practical
Magic).. ومع بدايتها في مثل هذه الأفلام.. لم نتوقع أن تتربع هذه الكندية
الأصل، في سنوات قليلة، عرش هوليوود... ولكنها نجحت وقدمت العديد من
الأدوار الهامة.. خصوصاً بعد طلاقها من النجم توم كروز.. وكأن هذا
الزواج كان بمثابة الكابت لكل هذه الطاقات التمثيلية ولم ينجح أحد في
اختراقها. وجاء فيلمها الاستعراضي الأول (Moulin Rouge)،
الذي اكتسح الصالات والسوق السينمائي العالمي بجدارة.. هذا الفيلم الذي
أخبر عن مواهبها الاستعراضية والغنائية بشكل قوي بل ومفاجئ للمتفرج
والمهتم.
ذهبت لمشاهدة فيلم (المترجمة
THE INTERPRETER )
وأنا كلي تأهب وحماس تام.. وذلك لرنين تلك الأسماء التي احتواها
الفيلم.. أولهم الرائعة نيكول كيدمان مع المتميز شون بن.. كلاهما
يعتبران من أبرز نجوم هوليوود والعالم.. وهما الحائزان أيضاً على
الأوسكار لأفضل تمثيل.. ويقودهما المخرج الأكثر إثارة في تناوله لقضايا
سياسية حساسة، عندما يكون في أفضل حالاته. هذا إضافة إلى أنني سأشاهد
فيلماً صور لأول مرة داخل دهاليز مبنى الأمم المتحدة.
عموماً.. بعد أن وصلت قاعة العرض كان الفيلم قد بدأ.. إي إن فترة
الإعلانات (السَمْـبَلْ) قد فاتتني.. وكان علي أن ألملم مصابي هذا
وأنتبه لمتابعة الفيلم.. ولكن بعد أكثر من مشهد ابتدائي.. شككت للحظة
بأنني قد دخلت الفيلم الخطأ.. حيث كنت أترقب ظهور نجمتي المفضلة
الساحرة نيكول كيدمان.. ولم يهدأ لي بال إلا بعد ظهورها لتملئ الشاشة
بريقاً وألقاً.
يحكي الفيلم عن سيلفيا بروم (نيكول كيدمان) التي تعمل كمترجمة للأمم
المتحدة، حيث تسمع عن طريق الخطأ مؤامرة لاغتيال رئيس أفريقي في اليوم
الذي سيتوجه فيه إلى مقر الأمم المتحدة.. تصبح هي الأخرى هدفا، فتتوجه
إلى السلطات بقصتها. ويتم تكليف العميل الفدرالي توبن كيلر (شون بن)
بحمايتها على الرغم من أنه لا يصدق حكايتها في البداية.
الفيلم في تتابع أحداثه، يقدم إثارة ملفتة ولمحات فنية وإنسانية
جميلة.. حيث نجاح السيناريو في سرد أحداث ومواقف وقضايا متنوعة
ومتداخلة.. من بينها الإرهاب.. العنف.. التلفيق السياسي ضد الحقيقة..
وكلها قضايا يحتاج كل منها إلى فيلم لوحده.. فالفيلم بمجموعة أحداثه
ذات التأثير التشويقي والحبكة البوليسية الموفقة، تناول القضية
السياسية بشكل مثالي غير مقنع، بل إنه بدا وكأن الفيلم قد ألبس الثوب
السياسي عنوة.. فلو أننا استبدلنا هذه الحبكة السياسية بأخرى بوليسية
عن مجموعة من الأشرار يخططون لارتكاب جريمة ما.. هل سيتغير المعنى..
بالطبع لا.. حيث أن هذا الثوب السياسي سيختفي من الأذهان بمجرد مشاهدة
الفيلم، ويبقى فقط ذلك التأثير النفسي للأسلوب الدرامي الأخاذ ذو
التقنية الحرفية العالية. صحيح بأن الفيلم في بعض مشاهده بدا مربكاً
وغير محدد الاتجاه.. حيث نراه يخوض في المسار الدرامي للفيلم متنقلاً
ما بين التشويق والدراما إلى جو المطاردات.. إلا أن طريقة السرد
الفيلمي للأحداث والحبكة المتشابكة الممزوجة بالإثارة والحركة.. أضافت
الكثير لبناء الفيلم وتماسكه.. وكان نجاح السيناريو لافتاً في صياغة كل
هذه الأحداث.. فنحن هنا أمام ثلاثة من أبرز كتاب السيناريو في
هوليوود.. تشارلز راندولف (The
Life of David Gale)، سكوت فرانك (Minority
Report) وستيفن
زاليان (Gangs of New York).
في هذا الفيلم يعود المخرج الذائع الصيت "سيدني بولاك" بقوة.. بعد
سلسلة من الأفلام غير الموفقة (Havana،
The Firm،
Sabrina،
Random Hearts)..
ليذكرنا بسنوات تألقه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي،
عندما قدم مجموعة من الأفلام الهامة أبرزها (Three Days of the Condor،
Tootsie،
Out of Africa).. هنا يكون في أفضل حالاته كمخرج.. حيث نجح في قيادة مجموعة طاقمه
الفني بخبرة ودراية.. وتقديم فيلم متماسك ومثير.
|