فعلها
بسام الذوادي وتفوق على نفسه.. هذا هو الانطباع الأول الذي احتواني بعد
مشاهدتي لفيلم ''حكاية بحرينية'' في عرضه السينمائي الخاص.. فالفيلم
بشكل عام يشكل خطوة إلى الأمام بالنسبة لبسام الذوادي ومجمل فريقه
الفني.. حيث جعلنا نشعر بمدى واقعية شخصياته، تلك التي خلقها الكاتب فريد رمضان مستفيداً من ذاكرته الخصبة وقدرته على تقديم تفاصيل حياتية نابعة من
التاريخ القريب.
نجزم
بأن هذا الحماس والعزم الفني.. الذي يتحلى به بسام قادر على خلق ذلك
الإحساس بالفرح عند أي شخص شاهد فيلمه الأخير هذا..
خصوصاً أن الفيلم يتحدث عن فترة زمنية مازالت تحضر في ذاكرة أغلب
المتفرجين. وهو جيل حضر هذه التغييرات الاجتماعية والسياسية وحتى
الثقافية.. لذا من الصعب تغيير هذا الواقع من قبل أي كاتب أو مخرج..
ليكون الفيلم بمثابة شهادة لفنان آثر أن يصنع السينما التي يحبها.
في
هذه الفسحة الصغيرة.. لا يسعني إلا أن أحتفي بهذا المولود الجديد..
الذي يشكل إضافة لمستقبل سينمائي منتظر.. وما سأدونه فيما يلي هي
انطباعات سريعة عن فيلم بحريني آخر..!! إلى أن يتسنى لي مشاهدة الفيلم
أكثر من مرة.. والتخلص من تعاطفي الطبيعي الذي يعتريني عند مشاهدة فيلم
بحريني..!!
يتناول الفيلم فترة تاريخية سياسية حساسة في تاريخ الوطن العربي، وهي الفترة الممتدة من هزيمة حزيران
,1967 وحتى وفاة جمال عبدالناصر عام
.1970 ويقدم الفيلم لثلاث شخصيات نسائية تحت ظروف اجتماعية صعبة، حرص فيها
الكاتب فريد رمضان على تصوير لحالات خاصة جداً ـ اجتماعية ونفسية ـ
استقاها من الذاكرة، تلك التي رأي أنها قد أثرت في تغيير واقع معاش
لتلك الشخصيات التي اختارها.. لذا فلا يمكن الحديث عن تسلسل زمني واحد
يمكن الركون إليه.. فالفيلم يقول إن الأحداث تدور في مرحلة نهاية
الستينيات وبداية السبعينيات.. ولم
يكن له أي داع لكتابة التواريخ على شريط الفيلم.. فتلك الأحداث ـ
السياسية منها بالذات ـ كانت قادرة على تقدير الزمن لدى المتفرج.. وكان
ذاك شرحاً للمشروح أصلاً.
فيلم
يتعامل مع حالات مثل التي شملها الفيلم، يحتاج إلى الكثير من التفاصيل
الصغيرة التي تحيط بالشخصية وتسعى إلى تقديم عناصر تسندها وتبرر تصرفاتها
وتزيد من مصداقيتها.. وهذا
ما افتقدته بعض الشخصيات.. وجعلت من السرد السينمائي
حالة مستعصية على المتفرج.. أنا هنا لا أتكلم عن الشخصيات وواقعيتها، بل عن الحالات التي عاشتها تلك الشخصيات.. هذه الحالات الاجتماعية والنفسية نراها مبتسرة
في أحيان كثيرة.. لا يدعمها الكثير من التفاصيل لكي
تصل إلى المتفرج بالشكل الصحيح.. وكمثال نرى أن شخصية الأب لم ترسم
بعناية وعمق، حيث نرى الأب غاضباً في جميع المشاهد بلا استثناء.. ما لم يبرره الفيلم
بتاتاً.. فمن المنطقي أن يكون للغضب ظروف معينة.. إن لم يكن له أي
مبرر. ربما نلاحظ أن المتفرج قد تعاطف مع هذه الشخصيات غير المكتملة إلا أنه لم
يستمر في تعاطفه عند نهاية هذه الحالات.. نهاية الفيلم. في الفيلم نرى
بأن التمثيل كان العنصر الأهم، حيث تخلص تماماً من ذلك الأداء المسرحي لدى غالبية الممثلين ،وفي أحيان
كثيرة تخلص من الأسلوب التلفزيوني في الأداء.. بل وشعرنا بتلك الروح الحميمية المحسوسة التي تحلى بها الممثل فيما بينه وبين الكاميرا.
نرى بأن مريم زيمان جسدت شخصية مركبة بتلقائية تحسد عليها.. وكانت فاطمة عبدالرحيم متألقة في
دور صعب قليل الحوار.. وجمعان الرويعي يتفوق على نفسه في تقديم شحنات
أدائية خلاقة بتقاسيم وجهه المعبرة.. أما
الطفل نديم فكان مفاجأة الفيلم.. باعتباره يقف لأول مرة أمام الكاميرا،
فكانت تعابيره من خلال حركاته التلقائية وصوته الحزين تنبئ عن معاناة يعيشها هذا الطفل.
حاول
بسام الذوادي تقديم رؤية وتفاصيل إخراجية تدعم الأحداث والشخصيات
وتحاول التغلب على ما أخفق فيه السيناريو، وجاءت استعانته بالموسيقى
التصويرية، ليسعف الكثير من المشاهد. فالموسيقى ـ التي ألفها محمد حداد
ـ كانت عنصراً مهماً في تصعيد حرارة الأحداث وإعطاء لمسة فنية معبرة
ومبهرة لتناغم الأحداث مع الشخصيات.. ثم إن الموسيقى ـ بغض النظر عن
قوتها وقدرتها على التعبير ـ ملأت الفيلم تماماً.. ولم يكن هناك أي
مشهد خال من الموسيقى.. مع أن الصمت أحياناً يكون أبلغ من الموسيقى..!!
التصوير أيضاً كان لماحاً وذكياً في اختياره لزوايا وحركات الكاميرا،
بإضاءة مؤثرة تتناسب والأحداث.. نجح بسام أيضاً في تقديم مونتاج متناغم
وفاعل في تجسيد الكثير من المشاهد مستعيناً بقدرته الفاعلة على
الإيحاء.. كذلك الديكور والإكسسوارات قد أعطت للشخصيات الكثير.
وقبل
إنهاء هذه الانطباعات السريعة.. كان
لابد لنا من الإشادة بالدور الإنتاجي الذي تولته ''الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي''..
في باكورة أعمالها.. وهي التي ستكون عوناً وباعثاً للأمل والتفاؤل
باستمرار مشاهدتنا لأفلام بحرينية أخرى.. موجهاً دعمي الكامل لكل الجهود الإنتاجية في
هذا المجال.
هنيئاً لنا هذا الفيلم.. هنيئاً لبسام الذوادي في تجربته الجديدة ومحمد حداد في
انعطافته الموسيقية ناحية السينما وفريد رمضان الذي راهن على مشاعرنا.. هنيئا لهم جميعا على هذا الإنجاز الفني،
هنيئاً لكل العاملين في الفيلم.. وسيكون لنا بالطبع، لقاء نقدي أكثر
قدرة على الدخول في مكنونات الفيلم وتفاصيله.. وذلك بعد عروض الفيلم
الجماهيرية، والتي أتوقع أن يحوز على إقبال المتفرج البحريني والخليجي.
16.09.2006
|