السينما في كل مكان بدأت
تسجيلية وثائقية، فلماذا يصر المهتمين والمشتغلين بالصورة والسينما عندنا،
على صنع السينما الروائية أولاً ؟! لابد من المشتغلين في الصورة المتحركة في
البحرين، أن يدركوا بأن الأفلام القصيرة التسجيلية، هي في الأساس تجريب وتعلم
على طريقة صنع الصورة الصحيحة ومعرفة إمكانياتها وقدرتها على التعبير، بغض
النظر في أنها فن إبداعي في أساسه.
ولنأخذ مثلاً عربياً في هذا
الصدد.. فمخرجي السينما المصرية الجديدة التي انطلقت مع بداية الثمانينات،
أمثال عاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد، وغيرهم، اكتسبوا تلك الحرفة
السينمائية من تجاربهم التسجيلية الأولى. فلكل واحد منهم تاريخ حافل
بالإنجازات في مجال الصورة التسجيلية، بل وحصلوا على العديد من الجوائز من
مهرجانات مختلفة، على تلك التجارب التي بشرت بوجود نظرة ثاقبة للمجتمع
والواقع المعاش في تلك الفترة.
وهذا فقط، للتأكيد على أن دور
الصورة التسجيلية، ليس كما يفهمه الكثيرون عندنا، دوراً يخلوا من الفن
والإبداع. وإنما هو الجانب الأهم والمسكوت عنه من قبل الأجهزة الإعلامية
العربية.
ففي العقود الثلاثة الأخيرة
التي مرت على البحرين، كانت هناك تجارب فيلمية قصيرة، قام بها مجتهدين ومحبين
للسينما، وكانوا يحرصون دوماً على قول قصة أو حكاية ما تتضمن تجاربهم تلك.
وبالطبع، كان هذا الشاغل قد أغفلهم عن رؤية أشياء أهم في الصورة وتكويناتها.
كان ذلك في بداية السبعينات.
وفي الثمانينات، وبعد انتشار
كاميرات الفيديو، ظهرت تجارب أخرى، مشابهة نوعاً ما، إلا أنها استفادت كثيراً
من تكنولوجيا التصوير الحديثة. ولكنها لم تستفد من إمكانيات هذه التكنولوجيا
إبداعياً. كما لم يغب ذلك الهاجس (الرواية في الفيلم) عن تفكير أغلب
المشتغلين بالصورة. صحيح بأننا قد شاهدنا، تجارب تسجيلية قليلة، وكانت موفقة
في حدود الإمكانيات، إلا أن الهم القصصي لم يسعف تلك التجارب. وذلك بالطبع
بسبب الإمكانيات الإنتاجية والبشرية المتوفرة لدى صناع هذه الصورة.
كان من المتوقع أن يكون
للتليفزيون دوراً مهماً، في تطوير أدوات السينما التسجيلية منذ تأسيسه في
السبعينات، لو أنه اهتم في إنتاج التجارب التسجيلية الخاصة، إلا أنه اكتفي
ببعض الأفلام القصيرة عن التاريخ والآثار والتراث. فقد جاءت الاجتهادات
التليفزيونية ـ للأسف ـ متأخرة، حيث بدأ التليفزيون في التسعينات، في تشجيع
التجارب الدرامية المحلية المبنية أساساً على الصورة وقوتها وإمكانياتها
الدرامية التعبيرية.
أما جيل الشباب خريجي معاهد
السينما، الذين كان يعول عليهم في صنع أسس لبداية سينما حقيقية في البحرين.
نراهم قد انشغلوا في أمورهم الخاصة، أو اتجهوا إلى مجالات أخرى ليس لها علاقة
بالسينما. والقليل منهم انضم لطاقم التليفزيون، وبدأ مشوار آخر، غير السينما.
ومما سبق من حديث، لا ينفي أن
تكون هناك محاولات قليلة، شاهدناها واستمتعنا بها، استطاعت أن تقول الكثير عن
السينما والصورة.. ولكن الأهم هو الاستمرارية في تلك المحاولات.. فالسينما هي
الحلم بالواقع، والواقعية في الحلم.
|