كمال الشيخ، يعد واحداً من
آخر ثلاثة عمالقة في الإخراج السينمائي المصري، مع يوسف شاهين وتوفيق صالح.
شاهين مازال نشيطاً، وصالح توقف عن الإخراج منذ ما يقارب العقدين.
كمال الشيخ، قدم آخر أفلامه
منذ عشرة أعوام، وإكتفى بالإشتراك في المهرجانات ولجان التحكيم.. يقول الشيخ
في لقاء معه مؤخراً في جريدة الحياة: (...أنا مستعد للعودة، لكنني لا أجد
النص المناسب...). وقد برر قوله هذا عندما أورد عدة مشاريع سينمائية لم تكتمل
لظروف كثيرة.
حوار الشيخ هذا، كان بمثابة
تأكيد على أهميته كمخرج، قدم في مشواره 23 فيلماً، منذ (المنزل رقم 13) عام
1952. غالبية أفلامه يعتبرها النقاد من أهم ما قدمته السينما المصرية في
تاريخها، وقد إختار النقاد ثمانية منها لتكون ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ
هذه السينما الطويل. ومنذ شهور قليلة أقيم له ولإفلامه تكريماً خاصاً في
مدينة تورينو الإيطالية.
بدأ كمال الشيخ السينما في
غرفة المونتاج، كمساعد أول وثان، إلى أن أصبح فيما بعد من أبرز الفنانين
اللذين يعملون في مجال المونتاج. يقول الشيخ: (...مشواري مع السينما تأثر
بمجموعة عوامل منها إيماني الكامل بضرورة مخاطبة الإنسان وبحث ما لديه من
أزمات نفسية وعقد وصفات خلقية متنوعة، أما مهارة استخدام المونتاج فتظهر
واضحة في إتاحة الفرصة كاملة لكشف المعاني والمؤثرات والزوايا المختلفة لهذا
كله، وكذلك التتابع الفني المنطقي للفيلم...). ويتابع: (...أعتقد كلمة مونتير
يمكن أن تمر على البعض من دون أن تحدث تأثيراً، ولكن لنا في المونتاج مدرسة
متخصصة للأفلام السياسية والبوليسية تجعل الصورة تعبر عما في داخل مجتمعاتنا
من حضارة. إضافة إلى أن القراءة والإطلاع الثقافي والسياسي والإقتصادي من أهم
مقومات المونتير المبدع. وكانت تلك هي أسلحتي ووسائلي في هذا المجال…).
امتازت أفلام الشيخ بأنها
تعالج قضايا إجتماعية وسياسية مهمة وتتناول الطبقة المتوسطة بالذات متناولة
همومها ومشاكلها المتعددة. هذه الأفلام طرحت نقاشاً وجدلاً طويلاً، لم ينته
بعد. وهذه التركيبة هي التي تستهويه كمخرج تخصص في الأسلوب التشويقي
والبوليسي.. (اللص والكلاب، غروب وشروق، الهارب، على من نطلق الرصاص). ويقول
الشيخ: (…الطبقة المتوسطة التي أنتمي إليها بحكم المولد والنشأة، لازمتني في
كل أعمالي، وهذا لا يعني أنني كنت أعكس حبي الشديد للجمال والتناسق والنظام،
وهي أمور لم يحالفني التوفيق أحياناً في الملائمة بينها، فكانت النتيجة شداً
وجذباً ونزاعاً وصراعاً، إنعكس على أختياري لموضوعاتي ورسمي لشخوصي. هذه
المواضيع اتسم بعضها بالجرأة في المعالجة والتعليق على تصرفاتها وسلوكها…).
ثم أن كمال الشيخ يرفض إطلاق
تعبير "إثارة" على ما يقدمه من أعمال، معتبراً أن مدلول هذه الكلمة، تعني
إثارة غرائز المتفرج، ويفضل تعبير "تشويق"، حيث يقول: (…مفهوم التشويق فيعني
شد اهتمام المتفرج إلى الحدث المعروض أمامه منذ اللحظات الأولى حتى كلمة
النهاية. وموضوعاتي غالباً ما أضعها في شكل تساؤل أو بحث عن مجهول، سواء
بالنسبة للمتفرج أم للبطل الذي يتعاطف معه المتفرج. وهذا هو الشكل الأمثل
للسينما عموماً، حيث يسعى الإنسان دائماً للكشف عن المجهول…).
كمال الشيخ، تميزه يكمن في
دقة إختياره لموضوعاته، وكل شيء في الفيلم، من فنانين وفنيين. ثم أنه ناقد
شرس لأعماله بعد إنجازها. وهذا بالطبع ما جعله قليل الإنتاج، رغم مشواره
السينمائي الطويل. يقول الشيخ: (…أشاهد أفلامي كناقد.. وهناك أشياء لو أعدت
تنفيذها مرة ثانية، مع زيادة حجم الإمكانات المتاحة والمدة المقررة للتصوير،
لأختلف الأمر، ولكن هناك بعض الإيجابيات يجب أن أذكرها حتى لا أكون مجحفاً،
فأنا أول مخرج ينفذ "الفلاش باك" بتوظيف الإضاءة.. كما حاولت تقديم شخصياتي
بأسلوب عصري في سلوكها، وكذلك تكويني للكادر السينمائي والظروف المحيطة به
وتأثيرها سواء كانت سياسية أم أجتماعية…).
أما بالنسبة للأزمة التي
تعيشها السينما المصرية اليوم، فيعتبرها كمال الشيخ أزمة إنتاجية أساساً،
ناتجة عن إرتفاع أجور الفنانين وطاقم العلم ككل. ولكنه في نفس الوقت يشيد
بالمستوى الفني لهذه السينما، حيث يقول: (…الشيء الإيجابي الذي أراه واضحاً
أنه مع قلة الأفلام المنتجة فمعظمها على مستوى فني راق، وأتوقع أن تكون هناك
عودة قوية للسينما المصرية، خصوصاً مع بداية ظهور شركات خاصة بالإنتاج
السينمائي…).
هكذا يختم مخرجنا الكبير
حواره، وكله أمل وتفاؤل للجيل الجديد من السينمائيين المصريين. وهي بالطبع
رؤية خبيرة بشؤون الفن والسينما بشكل عام.. فدعونا نتفائل معه.
|