كانت السينما المصرية عند بداية ظهورها تحت سيطرة الفنانين
الأجانب، الإنتاج والإخراج والتوزيع وغير ذلك من شئون السينما.
وأول ثلاثة حاولوا تمصير السينما هم على التوالي: عزيزة أمير، طلعت
حرب، محمد كريم.. الاثنان الأوليان انخرطا في مجال الإنتاج، أما
كريم فقد اختار أن يكون مخرجاً. حيث لم يكن هناك مصري واحد اقتحم
هذا المجال قبله، فقد كان الإخراج وقفاً على مجموعة من الإيطاليين،
في الأغلب، والذين جاءوا مع بعثة السينما التي أرسلها بنك "دي
روما" إلى مصر لإخراج أفلام تصور المناطق الأثرية والطبيعة
والصحراء والخيام والبدو، حيث كانت مثل هذه المناظر تستهوي
الأوروبيين.
كما يعتبر محمد كريم هو أول من صور أفلاماً سينمائية لبعض المناظر
الخارجية التي تقع في بعض مسرحيات يوسف وهبي، ودمجها في المسرحية
أثناء العرض. وفعلاً نجحت هذه التجربة الرائدة، ونجحت بالتالي
محاولات محمد كريم في إقناع صديقه بدخول مجال السينما، حيث نشأت
فكرة رمسيس فيلم، وكان الاتفاق مع كريم على إخراج فيلم يكون باكورة
إنتاج هذه الشركة. فاختار محمد كريم رواية "زينب" للأديب محمد حسين
هيكل، لتكون بداية العلاقة بين الأدب والسينما المصرية. عرض
الفيلم في سينما "متروبول" في التاسع من أبريل عام 1930، وقد قام
كريم بتصوير مناظر الفيلم في عدة أماكن من الريف. وحقق الفيلم
نجاحاً كبيراً، حيث قدم من خلاله ولأول مرة الوجه الجديد "بهيجة
حافظ" أمام سراج منير و زكي رستم، وكان الفيلم صامتاً ـ بطبيعة
الحال لأن السينما المصرية لم تكن قد نطقت بعد، ولهذا فقد أعاد
كريم إخراج هذا الفيلم ناطقاً في عام 1952، بعد أن عهد ببطولته إلى
راقية إبراهيم و يحيى شاهين و فريد شوقي.
هكذا كانت بداية المخرج الرائد محمد كريم مع السينما، هذا الفنان
الذي تدين له السينما المصرية بالكثير.. وبين فيلمه "زينب" وآخر
أفلامه ثلاثون عاماً.. ودع بعدها الحياة والسينما المصرية وهو في
السادسة والسبعين من العمر.. تسعة أفلام تسجيلية قصيرة، وسبعة عشر
فيلماً روائياً طويلاً فقط، كانت هي حصيلة مشواره السينمائي
الطويل. لكنه مشوار فني زاخر بالإنجازات والابتكارات السينمائية.
فنحن أمام تاريخ فنان كبير، أسس قواعد وأسس حقيقية لهذه السينما
الأم (المصرية) بالنسبة للعالم العربي. وأي قراءة لتاريخ هذا
الفنان، ستكون حتماً مفيدة جداً، لهذا الجيل السينمائي الجديد..
الذي تقوم سينما هذه الأيام على أكتافه!!
أما بالنسبة لتلك الإنجازات، وأساسيات هذه الريادة.. فسيكون لنا
حديث خاص عنهما في عمودنا القادم.
|