في فيلمه (البحث عن سيد مرزوق)، كان عبد السيد دقيقاً جداً، إذ
يقدم أسلوباً خاصاً للإخراج يتناسب
وذلك السيناريو الخاص. فلكي يقنعنا عبد السيد بذلك المنطق السردي
اللاواعي
للسيناريو ـ مع إصراره على تقديم الأماكن والشخصيات بشكل واقعي ـ
يصبح عليه كمخرج
إختيار زوايا خاصة للتصوير، وأحجام خاصة للقطات، وإيجاد علاقات
خاصة بين الصوت
والصورة وبين الضوء والظل والألوان. وهذا ـ بالضبط ـ ما نجح عبد
السيد في تجسيده،
بجهوده وجهود فريقه الفني، الذي أدرك بالفعل تلك الخصوصية للإخراج،
وهي خصوصية
تقوم على التناقض بين الواقعي واللاواقعي. فبالرغم من مراعات
الإضاءة لحركة الزمن الطبيعية، إلا أنها تتجاوز الواقع في مشاهد
كثيرة.. كمشهد المقابر مثلاً. كما أن
المونتاج كان دقيقاً في ضبط حركة الإنتقال بين مشهد وآخر.. من
إنتقال بالقطع الحاد
الى غيره، كالإظلام التدريجي، هذا إضافة الى خلق إيقاع تراجيدي
متناغم بين لقطات
الفيلم ومشاهده. ثم لا ننسى دور الموسيقى التي عبرت بصدق عن
ذلك الواقع الفكري
والروحي للفيلم.
وفي صدد حديثه عن (البحث عن سيد مرزوق)، يقول عبد السيد: (...كان
فيلماً مرهقاً بالنسبة لي، وطيلة التصوير كنت أشعر بقلق.. بخوف من
أن تأتي
النتيجة غير جيدة. لأنني كنت مرهقاً، أعمل حوالي أربع عشرة
ساعة في اليوم. إنما
عندما بدأت في تركيب الفيلم، شعرت بقيمته. لا أقول إنه خالٍ من
نقاط الضعف، مؤكد
أنه كان من الممكن الإعتناء به أكثر من ذلك، ولكن النتيجة تبدو
معقولة.. أراها
جيدة...).
و(البحث عن سيد مرزوق) فيلم مثير للإهتمام على أكثر من مستوى
.فالفكرة
والأسلوب جديدان على منهج السينما المصرية، وإسقاطاته الرمزية على
الواقع
متعددة. هذا إضافة الى منهج الأسلوب الفنتازي السريالي، الذي حاول
عبد السيد ونجح
ـ الى حد كبير ـ في إضفائه على الفيلم، وذلك رغم الفقر
التكنولوجي الذي تعاني منه
السينما المصرية. وبالتالي إفتقار المخرج لبعض أدوات التعبير
المناسبة لمثل هذا
الأسلوب في الإنتاج. إلا أن الفيلم قد أثار جدلاً كبيراً عند عرضه
في مهرجان القاهرة السينمائي، وحصل على جائزة الهرم الفضي من لجنة
التحكيم في المهرجان. كما
حصل على ثلاث جوائز في مهرجان جمعية الفيلم السنوي، وهي: أفضل
ممثل ثانٍ، أفضل
صوت، أفضل تصوير .
وبالرغم من كل هذا الإحتفاء الفني بالفيلم، إلا أنه لم ينل
ذلك النجاح الذي يستحقه في عرضه الجماهيري، حيث لم يستمر عرضه
سوى أسبوعين.. إلا
أن عبد السيد يبرر ذلك، فيقول: (...عدم إستمرار الفيلم في دور
العرض كان لأسباب
خاصة بظروف عرضه، فالفنانة سميرة أحمد (منتجة الفيلم) لم تقم بعمل
الدعاية
المناسبة له. كما أن موعد عرضه جاء عقب إنتهاء مهرجان القاهرة
السينمائي، وهو
موعد غير ملائم للأفلام المعروضة بعد المهرجان ، بعدما يكون جمهور
السينما قد حصل
على جرعة سينمائية كبيرة من الأفلام...).
|