قدم رأفت الميهي فيلم (عيون لاتنام) عام 1981، كأول تجربة إخراجية
له،
مستوحياً السيناريو من مسرحية أمريكية هي (رغبة تحت شجرة
الدردار) للكاتب "أوجين
أونيل". غير إن الفيلم يبدو بعيداً جداً عن أحداث وأجواء الكاتب
الأمريكي.. فقد
غيَّر رأفت الميهي في الأحداث وفي بناء الشخصيات وعلاقاتها. فيقول
الميهي، في هذا
الصدد: (...أنا مسئول عن نص "عيون لاتنام" من أوله الى آخره
(...) فأنا لست ناشراً،
ولا أعيد نشر رواية، فأنا أتناولها وأكتب وجهة نظري الخاصة...).
كذلك يرى الميهي
إن للمخرج ـ أيضاً ـ إستقلاليته عن كاتب السيناريو، فالسيناريست
ينتهي إبداعه على
الورق كمؤلف، وعندما يقف المخرج وراء الكاميرا لا يكون مترجماً
لما هو مكتوب على
الورق فقط، وإنما الإخراج في رأي الميهي (...هو إضافة وإبتكار
وخيال آخر يضاف الى
خيال السيناريست ، وإذا لم أكن أملك شيئاً أقوله، فلا داعي إذن
لإخراج الأفلام..
أعتقد إنني أستطيع أن أشتغل بأعمال أخرى...).
وقد حمَّل رأفت الميهي فيلمه الأول
فكرة تعتمد ـ أساساً ـ على الرغبة المرتبطة بالطبيعة الإنسانية،
وهي حب التملك.
ولكنه قدمها بعيون ناقدة ومتفهمة لمدى
خطورة هذه الرغبة، فهي عندما تسيطر على
الإنسان تحطمه وتقضي عليه.
فنحن في فيلم (عيون لا تنام) أمام عائلة مكونة من
أربعة أخوة، تملك قطعة أرض أقيمت عليها ورشة لإصلاح السيارات،
يستحوذ الأخ الأكبر
إبراهيم (فريد شوقي) على ملكية هذه الأرض، بينما يقتنع الآخرين
بأنهم يمتلكون حق
الحصول على الورشة. لذا يعيشون في صراع دائم لا ينتهي. ويشتد
هذا عندما يقرر
إبراهيم الزواج عله يرزق بوريث، حيث تجد الزوجة الفقيرة ـ والصغيرة
في السن بالنسبة
لإبراهيم ـ سميحة (مديحة كامل)، والتي تبحث عن الحماية من الجوع
والتشرد، تجد نفسها
وقد دخلت هذا الصراع، وعليها أن تحارب وتدافع عن نفسها حتى
تحافظ على إستقرارها
وزواجها هذا. وأمام أول محاولة لسميحة بالبدء في التصدي لمضايقات
الأخوة الثلاثة،
ينسحب إثنان منهم تاركين الحلبة للأخ الأصغر إسماعيل (أحمد زكي)
وسميحة وزوجها. ومن
خلال هذا الصراع الدامي بين الطرفين على إمتلاك الأرض والورشة،
والذي ينتهي الى
الموت، نكتشف حقيقة الوضع الإجتماعي والنفسي القاسي لهذه الأسرة
العاملة، ولأغلب
الأسر المصرية الفقيرة التي تعيش على هامش مجتمع الإنفتاح.
لقد أراد رأفت الميهي
ـ في فيلمه هذا ـ من المتفرج أن يظل متفرجاً، أي إنه لا يجد مجالاً
للتعاطف مع
شخصية ضد شخصية أخرى، وذلك لأن كلا طرفي الصراع يطرح موقفه
ووجهة نظره الخاصة بشكل
مقنع الى حد ما.. إلا أن الخطأ الذي يرتكبه كل منهم كونه يتجاهل
وجهة نظر الآخر،
ولا يرى سوى وجهة نظره الفردية، وبمعنى آخر لا يرى الحقيقة إلا من
زاوية واحدة.
وهذا ـ بالطبع ـ هو الذي أدى الى الإقتتال في النهاية.
إن فيلم (عيون لا تنام)
لا يداعب المتفرج، وإنما يعطيه جرعات من الصدمات القوية. فالمتفرج
بعد مشاهدة
الفيلم ينتابه شعور بمدى الالسواد المحيط به وبهذا الواقع. وقد
تعمد المخرج هذا
ليحرك في المتفرج الرغبة في التغيير، تغيير هذا الواقع الذي يعيشه
وينكوي منه. فنحن
نشعر بمدى خطورة الفساد الإجتماعي والمناخ المتعفن الذي تعيشه
شخصيات الفيلم، لا
وجود للضحايا هنا، فجميع الشخصيات ـ في النهاية ـ جلادة لنفسها.
لقد نجح رأفت
الميهي (المخرج) في دراسة كل لقطة بعناية فائقة، فهو مدرك بأن
الجزئيات هي التي
تصنع الكليات في الحياة كما في الفن. أما الميهي (السيناريست)
فقد أراد للمكان أن
يضيف الى الدراما لا أن يحيط بها، فكانت الورشة هي أحد أبطال
الفيلم.
إن للمشهد
الأخير، وبالذات صرخة أحمد زكي، إيحاءات كثيرة.. وتثير أكثر من
تساؤل: هل هي صرخة
ضد رغبة التملك المدمرة.. أو ضد الأنانية.. أو ضد العنف.. أو
هي، كما ترينا اللقطة
الأخيرة لكوبري "6 أكتوبر" والبنايات الشاهقة الرامزة لعصر
الإنفتاح، صرخة ضد عصر
الإنفتاح.. أو إن الميهي قصد بهذه الصرخة لتكون ضد هذه الأمور
جميعاً.
إن فيلم (عيون لا تنام) إستطاع، كما جاء في تقرير لجنة تحكيم جمعية
النقاد المصريين، أن
يبرز وبأسلوب واقعي متماسك عواقب الإعلاء من شأن الملكية الخاصة في
مجتمع يحتاج الى
التنمية الشاملة والتخطيط العلمي.
|