تحدثنا سابقاً عن المخرج مصطفى العقاد وإنتاجه السينمائي الضخم.
أما بالنسبة لسيناريو فيلم (عمر المختار)، فقد وفق السيناريست الى
حد كبير في أنه قد تحاشى الوقوع في
مطب البطولة الأسطورية ـ بإعتبار أن حياة عمر المختار تعطي
للسيناريست مادة خصبة
وثرية للتعامل معه كبطل فرد ـ بل قدم عمر المختار كنموذج
إنساني يعبر عن روح شعب. وبالتالي لم يقدم السيناريست سيرة ذاتية
لشخصية عمر المختار، بل إنه قد جعل من المختار رمزاً للنضال، وأبرز
دور الجماهير الشعبية في الثورة. ففي أول ظهور
للمختار على الشاشة، يقدمه السيناريو في مشهد مليء بالدلالات، حيث
نراه بلباسه
البدوي ولحيته البيضاء ونظارته التي ستلعب دوراً كبيراً في
الأحداث. يظهره عجوز
طاعن في السن يفسر القرآن للأطفال، نلمح على وجهه الصافي
إبتسامة مفعمة بالحب والرضا والحنان. وهو نفسه قائد الثورة القوي،
الذي تكمن قوته في ضعفه، عندما
يقرر أن يحيي الجنرال الإيطالي الجديد، ويشن على قواته هجوماً
ساحقاً يكبدهم فيه
خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد .
كما يؤكد السيناريو على تعريب القضية المطروحة، وتحويلها من قضية
تتعلق بنضال الشعب الليبي الى هم عربي حقيقي، والى ممارسة
فعلية للنضال العربي. كما إستطاع أن يستخرج منها دروساً تاريخية
حاسمة تجزم بحتمية
الإنتصار وإن صالت سنوات الكفاح. ففي مشهد النهاية، يزداد هذا
التأكيد، عندما
يجري الطفل الصغير الذي أعدموا والديه، ليلتقط نظارة الشيخ
الشهيد حين سقطت من بين
يديه بعد شنقه، يمسك الطفل بالنظارة ويجري بها في الأفق. إن هذه
النظارة هي رمز
المعرفة التي كان يمثلها عمر المختار، وها هي المعرفة والراية
تنتقل الى جيل جديد
.
وقد تجنب السيناريو السقوط في هوة شوفينية عنصرية عقيمة، بل إتسم
برحابة
الأفق وعمق الفهم. حيث قدم نماذج إنسانية صادقة ذات رؤية حضارية
شاملة للتاريخ،
من كلا طرفي الصراع. فهو عندما أدان العسكرية الفاشية
الإيطالية، أكد أيضاً على
وجود العديد من الإيطاليين الذين يرفضون سياسة العدو الفاشية. كما
أنه لم يبالغ في
حجم القوة العربية، وقدم نماذج أخرى لبعض الليبيين المتعاونين مع
سلطات الإحتلال
.
لقد كان العقاد يعي تماماً بأنه يتوجه لجمهور عالمي، يعرف التاريخ
ويحترم
الصدق، فخاطبه بلغة راقية، سواء على مستوى المضمون أو الشكل
السينمائي، فقدم له
عملاً بالغ الثراء والموضوعية، مستفيداً من أسلوب وإمكانيات
السينما الأمريكية،
سواء في تنفيذ المعارك أو في بناء الشخصيات. وبذلك نجح في كسب
التعاطف والإحترام
من المتفرج الغربي تجاه شخصياته وقضيتهم العادلة التي يدافعون عنها
.
وبالرغم من
أن فيلم (عمر المختار) يحمل الجنسية الأمريكية كإنتاج، إلا أنه
فيلماً عربي
التوجه والقضية، فيلماً يتصدى للتعبير عن الإنسان العربي
ويستلهم التاريخ العربي
المعاصر.
|