موحشٌ.. صادمٌ.. ذلك القدر من العنف والواقعية اللذان ملئا الشاشة
في فيلم (مدينة الله) البرازيلي..!! وهل يمكن أن نطلق عليه أساساً
تسمية فيلم.. أعتقد بأن الصدق والواقعية اللتان أعطانا إياهما
المخرج جعلتا من الفيلم قطعة من صميم واقع معاش قاسي ومؤلم، من دون
رتوش ولا تجميل لهذا الواقع.. إنه حقاً مؤلم وموحش..!!
الفيلم قدمه لنا المخرج البرازيلي فيرناندو ميريليس في أولى تجاربه
السينمائية.. ليحكي عن ذلك العنف الذي يتحلى به الشارع البرازيلي
متمثل في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة.. يحكي عن أطفال الشوارع
الباحثين عن أي شيء يعتاشوا عليه.. ولا يجدون سوى العنف أمامهم..
والمحيط بهم من كل جانب.
يروي الفيلم أحداثاً حقيقية سجلها الكاتب البرازيلي باولو لينيس في
روايته التي أعطاها نفس اسم الفيلم.. هذا الروائي الذي نشأ في نفس
الحي وقد حكاها في 700 صفحة على 300 شخصية.. إلا أن كاتب السيناريو
(بروليو مانتوفاتي) اكتفى بشخصيات قليلة بالتعاون مع المخرج
لاستخلاص مضمون الرواية والمحافظة على عمقها ورسالتها.
أحداث الفيلم تبدأ مع عقد الستينات وتنتهي في الثمانينات من القرن
الماضي، لتحكي عن طفل يدعى "روكيت" يطمح منذ نعومة أظافره لأن يصبح
مصوراً فتوغرافياً، إلا أن شقيقه الأكبر متخصص في مهاجمة الشاحنات
وسرقة محتوياتها، وترويج المخدرات بالتعاون مع صديقه الذي أصبح
فيما بعد من أشهر مروجيها.. لذا نرى بأن هذا الحلم لدى روكيت
يواجهه كل هذا العنف والقتل في أحداث درامية تحاول أن تثنيه عن
حلمه هذا.
لكننا مع تتابع هذه الأحداث، نرى مقاومة روكيت للجريمة وإصراره على
تحقيق حلمه، وذلك بعد حصوله على كاميرا مسروقة، يهديها له زعيم
العصابة لكي يصوره ويصور الأبطال الحقيقيين للحي.. ويتحول روكيت
إلى مراقب حيادي ينقل هذه الأحداث الدامية عبر قصص وحكايات مثيرة
على صفحات جريدة أجنبية تسعى لنقل ما يحدث على الشارع من قتل
وإراقة دماء.
في مشهد من مجمل تلك المشاهد التي لا تنسى، ذلك المشهد الذي يظهر
طفل السادسة من العمر تحت تهديد السلاح من طفل آخر، يخيّره بين يده
أو قدمه لإطلاق النار عليها.. نراه يصرخ قبل إطلاق النار، وهو يعلم
بأن الاثنان لا يستغني عنهما.. ولكن الماسك بالسلاح يختار دون
انتظار لرد الطفل.. الاختيار كان القدم، لنرى الدم يتدفق من الحذاء
المهتريء ليملئ الشاشة بالعنف والغباء.
الفيلم في حد ذاته كان مفاجأة للجميع، بسبب ذلك الكم من العنف
الخارج من أطفال فقراء ومشردين يمتهنون القتل والضرب ويحترفون
السرقة والمخدرات، في أحداث نقلها لنا المخرج ميريليس بواسطة
ممثلين هواة يقطنون ذلك الحي.. وقد لاقى الفيلم اهتمام كبار النقاد
بعد اشتراكه في مهرجان كان الدولي، ورشح لأربع جوائز أوسكار عن
أفضل (إخراج، سيناريو مقتبس، تصوير، مونتاج).
|