شخصية "سارة وودروف" في فيلم (امرأة الملازم الفرنسي) بالرغم من
تعقيدها الشديد، فقد استطاع كاتب السيناريو رسمها وتحليلها كأفضل
ما يكون.
هذه الشخصية هي تلخيص ذكي للعصر الذي تعيش فيه وللصراع بين مجتمع
راسخ له قيمه وتقاليده القوية المتسلطة وبين رياح التغيير التي
بدأت تطرح أفكاراً جديدة لابد أن تُقاوَم بعنف حتى لا تنسف أعمدة
هذا المجتمع التقليدي، فهي عندما تقول بأنها كانت تبحث عن حريتها
في نهاية الفيلم، لم تكن تعني بالطبع الحرية بالمعنى الفردي وإنما
بما هو أكثر عمقاً وشمولاً.. كانت تعني البحث عن الذات وعن أسلوب
جديد للحياة في هذا المجتمع المغلق.. هذا حتى ولو لم تكن "سارة"
مدركة لذلك لفرط انهماكها في مأساتها الشخصية.
وسط كل هذه الظروف المعقدة، وفي ظل هذا المجتمع المغلق، توجد
"سارة".. هذه الفتاة الجميلة الرقيقة الحالمة، والتي تبدو وكأنما
وجدت في غير عالمها أو في غير موعدها، فهي فتاة متعلمة ومثقفة تعرف
اللغة الفرنسية، حيث يبدو هذا في مظهرها وفي أدق إيماءاتها
الرقيقة، رغم ظروفها التعسة.. إنها نبات برِّي غريب وشديد الجمال
في غابة وحشية.. وهي، بالطبع، نموذج لشخصيات أخرى كثيرة لابد أنها
موجودة في ظل هكذا ظروف، وتطمح إلى الحب والحرية والحق في
السعادة.. ويمكن أن تكون "سارة" هذا النموذج حينما نضعها في إطار
الجو العام الذي يرسمه الفيلم، لتكون رمزاً للصراع بين عالمين
متناقضين، القديم الذي يتشبث بقيمه وقوانينه والجديد الذي يحاول أن
يجد لنفسه مكاناً ويؤكد ذاته ويحصل على حرياته.
وإذا كان أهل القرية يُسمُون "سارة" (الآنسة مأساة) فقد يكون ما
يعنونه هو مأساتها الشخصية مع الملازم الفرنسي الذي أقامت معه
علاقة آثمة ثم هجرها، وهم بذلك يحبسون أنفسهم في النظرة
الأخلاقية.. مع أن الفيلم، في رؤيته الشمولية، يتجاوز هذه الرؤية
الأخلاقية إلى مأساة أكبر هي مأساة الوجود في العصر الخطأ. هنا
تكون مأساة "سارة" أعمق من مجرد سقوطها الجسدي مع ملازم فرنسي، بل
إن هذا السقوط نفسه هو أُكذوبة اخترعتها "سارة" (نعرف ذلك عندما
تعترف لـ"شارلز" بعد اكتشافه إنه أول رجل في حياتها)، وكأنها
اختارت أن تعاقب نفسها بالفضيحة والعار والامتهان، كنوع من تعذيب
النفس.. وما نفهمه نحن من هذا السلوك الغريب هو أنها وجدت نفسها
عنصراً غريباً أكثر رقياً من الوسط المحيط بها فقررت أن ترتفع عن
هذا الوسط بأن تصبح منبوذة فيه، أي منفية باختيارها.. وما كانت
تبحث عنه "سارة" بالتأكيد هو أن توجد، لا بالمعنى الجسدي وإنما بأن
يصبح لها كيان ويمكن أن يحقق ذاتها، لذلك نراها تصر على أن ترسم
باستمرار حتى تنجح في النهاية، وتجد ما يجعلها متفردة بموهبتها في
الرسم، ولكن ما هو أهم من ذلك بالنسبة لها أنها وجدت حريتها.
|