في فيلمه الأخير (رسائل البحر) يقدم داود عبدالسيد جرعات متلاحقة
من الشاعرية والواقعية في آن، شاعرية تحكي عن شخصيات تواجه واقعها
بلامبالاة.. وواقعية تعيق هذه اللامبالاة وتحيل كل شيء أمامها إلى
عوائق ومنقصات اجتماعية ونفسية.. شخصيات عبدالسيد في فيلمه الأخير
هذا.. تنطق بالكثير من المحظورات.. وتتحدث حول المحرمات الاجتماعية
والأخلاقية التي يزخر بها المجتمع من حولها.
والرسائل التي يقدمها عبدالسيد في فيلمه هذا، مليئة بالإيحاءات
والألغاز والمتناقضات، ولم يقدمها بلغة تقريرية وسطحية جافة.. إنما
هي تلك الرسائل والمداخلات الشعورية والنفسية والاجتماعية
والأخلاقية، التي ينثرها عبدالسيد عبر أحداث فيلمه، بشكل درامي
وبلاغي خلاق وغير مباشر.. رسائل يتعلم منها شخصياته الكثير.. بل
أنه (عبدالسيد) لا يهتم كثيراً في كشف سر الرسالة التي يجدها بطله
في قارورة بالبحر..!!
(... أنا لا أوجه رسائل مباشرة، وإذا اعتبرنا المباشرة هي المضمون
فماذا نستفيد عندما نسمع الموسيقى التي تخلو تماما من أي رسالة
موجهة، والذين يريدون رسائل واضحة ومواعظ مباشرة عليهم متابعة
نشرات الأخبار فهذا أفضل لهم وأكثر مباشرة، ولا أعتبر الكلام عن أن
صورة الفيلم أو شكله أعلى من مضمونه لان في السينما الشكل هو
المضمون، والمضمون هو الشكل...).
(...
للأسف الناس تعودوا على أن يدخلوا الأفلام ليخرجوا بمضمون أو مورال،
وهذا خطأ كبير، فليس من المعقول أن نلخص كل مسرحيات شكسبير مثلا في
عدة نقاط ونختصر إبداعها الفني، ودور الفن أن يقدم عملاً عميقاً
ويتركك تكتشف هذا العمق بنفسك مثلما تشاهد البحر وتشعر أنك تريد أن
تعرف ما في أعماقه، وفى «رسائل البحر» أحكى عن شخصيات وأقدار، وعلى
الناس اكتشاف المعنى والشعور فيه، وأعتقد أن العلاقات الإنسانية هي
مضمون الفيلم، وليس شيئا آخر...).
أما إذا بحثنا عن الحكاية في فيلم عبدالسيد هذا.. فهي جداً عادية..
بل بسيطة، تحكي عن ذلك الشاب يحيي (آسر ياسين) الذي تخرج من كلية
الطب بامتياز، إلا أنه توقف عن ممارسة الطب بسبب عيب خلقي في
النطق، يجعله سخرية من الجميع.. ويختار أن يصبح صياداً للسمك، بعد
وفاة والدته وهجرة أخاه إلى أمريكا.. واختياره للعيش في شقتهم
القديمة بالإسكندرية.. في تلك الشقة يختار أن يصبح وحيداً، إلا من
صحبة جارته الإيطالية الأصل وابنتها التي تربى معها أيام الطفولة
والصبا.
(... هناك فرق كبير بين الفهم والإدراك وأعتقد أن الناس مدركة
لمعاني الفيلم والرسالة
التي يريد أن يرسلها الفيلم فكرة التصالح مع الآخر وقبوله لأنه
شئنا أم أبينا
هو موجود معنا بكل ما يحمله من اختلاف ولكن في
النهاية يكون الفهم مختلفا
باختلاف كل واحد وثقافته وطريقة استيعابه لهذا الفيلم لأن الفن ده
حاجة واسعة
جدا...).
|