ينجح سيناريو فيلم (Last Chance Harvey)
في زيادة جرعات الإحباط لدى الشخصيتين، فنراه يرصد ما يمر به
الاثنان بشكل متواز وبالتناوب، وخلق المزيد من المبررات والظروف،
لكي يجعل من لقاء كلا الشخصيين أمراً حتمياً.. فمثلاً نرى هارفي
يلجاً لدورة المياه للتنفيس عن حزنه، ونرى كيت في مكان مشابه
تبكي.. إحباطات وصدمات نفسية تواجهه الشخصيتان، بصمت وبدون مبالغة
في التعبير، ليصلا للحظة المناسبة للقاء بعضهما، وليكون هذا اللقاء
بمثابة طوق النجاة لكليهما، للخروج من هذه الأزمات والظروف
الصعبة..!!
يحدث اللقاء المرتقب بين هارفي وكيت، ليبدأ طوفان من الأسئلة
والأحاديث المتعددة.. ويبدأ كل منهما يزيح عن كاهله كل هذه
المعاناة، نراهما يتحدثان لبعضهما عن كل شيء، وكأنهما أمام مرآة
يفضفضان لها عن المسكوت عنه في حياتهما.. يحكي لها عن أزمته في
العمل، وعلاقته بابنته وزواجها.. وتحكي له عن والدتها وشفائها من
مرض السرطان.. كما تحكي له عن طفل كانت قد حملت به وهي صغيرة، وكيف
تخلصت منه. تشجعه على حضور حفل زفاف ابنته، فيوافق بشرط أن ترافقه
بصفتها صديقته الجديدة.. يشتري لها فستاناً جميلاً للحفل.. يذهبان
معاً، ويعيشان لحظات من المرح والسعادة، يرقصان مع بعض حتى
الصباح.. يخرجان مع بعض ويجلسان في مكان رومانسي في إحدى الساحات
أمام نوافير الماء، وهما في حالة انتشاء روحي وجسدي.. يواعدها
للقاء مجدداً في اليوم التالي، فتقبل بسعادة غامرة.. لكنه يتخلف عن
الموعد نتيجة إصابته بأزمة قلبية، بينما تكون هي بانتظاره في حالة
ميئوس منها، وتوهم نفسها بأنها مرتاحة لعدم مجيئه، بل أنها تعتبر
الأمر بسيط.. يذهب إليها في العمل ليخبرها بأنه قد استقال من
العمل، وإنه في مرحلة انتقالية الآن، ويريد حياة جديدة، ولا يعدها
بشيء.. ليدخلا في حوار يكشف عن كم الخوف الذي تعيشه كيت، كما يكشف
عن حجم الإصرار والتحدي لدى هارفي في الحصول على الفرصة الأخيرة
للحب والعودة إلى الحياة.
يتضح تماماً بأن فيلم (Last Chance Harvey)
لا يعتمد في نجاحه على تقديم مفاجآت ضمن أحداثه ومواقفه الدرامية ـ
والتي يمكن للمتفرج التنبؤ بها وتوقعها ـ بل يعتمد على أسلوب
التشويق وإثارة الفضول لدى المتفرج، الذي ينتظر بفارغ الصبر اللقاء
الأول بين بطليه (هاري وكيت).. هذا إضافة إلى اعتماد الفيلم أساساً
على أداء هذين النجمين وإمكانياتهم في تجسيد كل هذه المشاعر
والأحاسيس.. فبالإضافة إلى هوفمان، الذي نجح في توصيل أدق المشاعر
والأحاسيس إلى المتفرج، ويشاركه خيباته وأحزانه، تماماً مثلما يرى
مشاعر الأمل والحب في عينيه.. كانت هناك بجانبه البريطانية إيما
تومسون، تلك الساحرة التي نجحت في اختيار أدواراً مهمة قدمتها
للسينما أو للمسرح، وأغلبها اختيارات واثقة واستثنائية جسدتها
بتميز واستحقاق.. تماماً، مثلما فعلت في هذا الفيلم، عندما قدمت
أداء بتميز بالعفوية والبساطة في التعبير عن كل خيباتها وإحباطاتها
الدفينة..!!
هذا الأداء الهادئ لكليهما (هوفمان وتومسون)، ينجح في كشف وتعرية
قسوة مجتمعيهما تجاه الفرد عندما يراهما غير قادران على العطاء..
كما يبين تلك اللامبالاة الاجتماعية بين الناس تجاه بعضهم، ويمسح
الغبار عن الروح الإنسانية الخلاقة التي تتمتع بحيوية في أية مرحلة
من العمر.. كما تؤكد هذه المشاعر والأحاسيس على أحقية عودة الحياة
لكلاهما بالحب والسعادة..!!
كل هذا نجح في تجسيده الكاتب والمخرج "جويل هوبكنز" من خلال ذلك
الرصد الدقيق للانفعالات والتعبيرات التي بدت على وجهي بطليه،
بمساعدة كاميرته الحساسة التي تقترب وتبتعد حسب الحالة الدرامية
والنفسية، لترصد كل شيء، إن كان في حضور بطلي الفيلم الآسر معاً في
إطار الصورة، أو خلال تواجدهما مع آخرين، ليكتمل رصد العالم المحيط
لإغناء المشهد والحدث.. الكاميرا هنا نراها تسيطر على كل التفاصيل،
الكبيرة والصغيرة في التعبير عن الموقف النفسي والرومانسي لبطليه..
كما نجح كاتب الفيلم ومخرجه، في طبع صور ومشاهد في ذاكرتنا ستبقى
بتفاصيلها الغنية طويلاً..!!
|