فيلم (يا دنيا يا غرامي - 1995) يبعث على الأمل في حياة أفضل، في
كثير من مشاهده، مؤكداً على انتزاع
البسمة والضحكة من أفواه شخصياته، وتكرار المحاولة والتمسك بأهداب
الحياة. هذا
بالرغم من أن أحداث الفيلم تدور في غالبيتها في حواري متواضعة وسط
الفقر والجوع والحرمان إضافة إلى الفشل والعجز الذي صاحب بعض
شخصياته
.
يعالج السيناريو
(الذي كتبه محمد حلمي هلال) أفكار ومواقف حياتية يومية بسيطة، ليس
بها ذلك التعقيد
الدرامي المعتاد، أي بمعنى أننا ربما شاهدناها في الكثير من
الأفلام، إلا أنها
هنا جاءت بصياغة جديدة وصادقة بعيدة عن الفذلكات والمبالغات
الدرامية. فالشخصيات
التي قدمها الفيلم، تعيش حياتها اليومية ببساطة بالرغم من المنقصات
المحيطة حولهم. حيث نلاحظ بأن الشخصيات الثلاث يسرقن أنفسهن من كل
الإحباطات ليعشن لحظات الفرح
الجميل، والتي تساعدهن على الاستمرار في حياتهن الصعبة تلك
.
الفكرة
الوحيدة المطروحة بشكل جديد، ربما تكون فكرة العذرية عند شخصية
سكينة. وهي فكرة
ناقشها الفيلم بوعي وحذر، بل واتخذ موقفاً جريئاً تجاهها. ففي ظل
مجتمع متخلف
كهذا، مجتمع تسوده قوانين الرجل، ترفض سكينة في البداية أن تعمل
عملية ترقيع
البكارة، بل أنها تصمم على ذلك، حيث تساءل نفسها وصديقاتها عن
الذنب الذي ارتكبته. لكننا نراها ترضخ في النهاية أمام ضغط المجتمع
وقوانينه، حيث تصبح عملية إعادة
البكارة هي الحل الوحيد للزواج من رجل شرفي
.
هذا إضافة إلى أفكار أخرى، مثل
فكرة الإحباط والعجز وعدم
القدرة على الفعل عند الشباب وذلك نتيجة القهر الاجتماعي
المحيط. فشخصيات (يوسف وعبده وحسن) جميعها تجسد ذلك العجز، ومثلما
شاهدنا يوسف وهو
يتحايل على الظروف بالنصب والسرقة، شاهدنا عبده وهو يبتعد عن
حبيبته ويتركها
لوحدها تواجه المستقبل بقلب مكسور وعذرية ضائعة. كذلك حسن الذي فشل
في مواجهة الواقع فضاع في الأوهام
.
أما شخصية زهيرة هانم (ماجدة الخطيب) فهي المنحدرة
من أسرة ثرية بل رأسمالية متعجرفة، إلا أنها تصبح شخصية باهتة في
مجتمع الفقراء
بعد ضياع كل شيء منها. كما ينجح الفيلم في تجسيد ذلك الكم الرهيب
من التناقض داخل
هذه الشخصية بشكل كاريكاتوري خفيف وذلك عندما تتمنى سندوتش الفول
ولكنها تخاف
الفضيحة .
ثم هناك الهوس الخاص بالإعلانات وجنون الجوائز المالية، الذي نجح
السيناريست بتقديمه في الفيلم بشكل سلس ومقبول. ونجح في كشف ذلك
الزيف الذي يحيط
بهذه الجوائز
.
أما أغنية (يا دنيا يا غرامي) والتي هي عنوان الفيلم، فقد كانت
محركة في الفيلم وباعثة للأمل، باعتبارها تمثل واقع أبطال الفيلم،
بما تحمله من
دلالات عن دنيا الحب والغرام
.
نجح السيناريو كثيراً في تفهم دوافع
شخصياته، وتبرير تصرفاتهم بشكل
منطقي ومدروس. ثم أن التفاصيل الصغيرة والكثيرة
التي أحاطت بالشخصيات قد ساهمت في تألق هذه الشخصيات وانتزاع
التعاطف معها من قبل
المتفرج. أضف إلى ذلك تلك الأحداث والمواقف الحميمية التي لم تخرج
بتاتاً عن منطق الشخصيات ومصداقيتها.. أحداث صاغها السيناريست بشكل
يتناسب وأعماق الشخصيات
ودواخلها. مبتعداً بذلك عن المباشرة، ومتحاشياً قدر الإمكان
بالابتعاد عن إعطاء
مواعظ وخطب رنانة عن الشرف والأمانة. وبذلك قدم سيناريو مركز يبتعد
عن الثرثرة
الحوارية .
من حسن حظ الفيلم أن يكون مخرجه هو الفنان مجدي محمد علي.. مخرج
استطاع أن يصل بهذا السيناريو الجيد إلى آفاق فنية رحبة. فقد ابتعد
عن
المبالغة في إبراز المهارات، واعتمد أسلوباً سهلاً في توصيل ما
أراده السيناريو .هذا
إضافة إلى أن الإخراج تميز بإيقاع سريع وحيوي، معتمداً على مونتاج
أخاذ يتناسب
والحدث ومعبراً عن تصرفات الشخصيات.
أما التصوير، فقد كانت الكاميرا تتميز بحركة
موفقة وزوايا تصوير منتقاة بعناية إضافة إلى الاختيار الموفق
للإضاءة الدرامية
المعبرة التي ساهمت في إعطاء تكوينات جمالية قوية للكادر. وقد ساهم
المونتاج
والتصوير إضافة إلى الموسيقى التصويرية التي تتميز بالشاعرية، في
إيصال الفيلم إلى
مستوى راق من الإبداع. حيث نجح المخرج في إدارة فريقه الفني من
فنيين وفنانين،
خصوصاً إدارته للممثلين رئيسيين وكومبارس، فكانوا في أفضل حالاتهم
الأدائية. وتميز منهم على سبيل المثال ليلى علوي وإلهام شاهين
وهالة صدقي.
وختاماً.. لابد من
التأكيد على أن فيلم (يا دنيا يا غرامي) يعد من
الأفلام المتميزة القليلة التي أنتجتها السينما المصرية في العقدين
الأخيرين. كما أنه بشر بميلاد مخرج موهوب
ينتظره مستقبل زاهر في دنيا
الإخراج السينمائي
. |