لم يغفل فيلم (وقيدت ضد مجهول - 1981)
إظهار الصورة السلبية لحالته الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها
المواطن المصري، فحضورها من خلال لقطات ساخرة كاختفاء الخبز وتدهور
الحالة الاجتماعية، وسيطرة أصحاب الأموال نتيجة الانفتاح
الاقتصادي. كما يشير الفيلم للحالة السياسية من خلال رجال الأمن،
وإظهارهم منشغلين بالملذات والأهواء دون النظر لمعاناة المواطن
والأمة. ويستعرض الفيلم كذلك، في لقطات سريعة وساخرة، الاتجاهات
الشعبية والفكرية، وردود أفعالها من تأثير هذا الحدث. فرجل الدين
يحبذ التخلص من الساقطات اللواتي يتخذن من الهرم مقراً لهن، وأصحاب
الاتجاه اليساري يرون أن الأهرامات ما هي إلا تجسيد لذلك الظلم
والاستبداد الذي مارسه فراعنة مصر على شعوبهم من أجل إشباع رغباتهم
في بناء الأهرامات، فكم من الضحايا قدم هذا الشعب حتى تم بناء هذه
الأهرامات.
وكذلك أصحاب الملاهي الذين يرون في
الرذيلة مصدراً لإنعاش الاقتصاد القومي. والمنتجون السينمائيون
الدخلاء الذين لا يرون من السينما غير الوجه الجميل وقصة الحب
الرومانسية.
كما أن الفيلم قد ألقى الضوء على
أساليب التعذيب، وأخذ الاعترافات بالقوة، وافتعال الأحداث للقضاء
على فئات معينة، والتخلص من المفكرين وإلقائهم في مستشفى المجانين،
ففي مشهد المصح العقلي، الذي يوضع فيه الشاويش صابر، ينفجر الموقف
كله، فكل الشخصيات المتهمة بالجنون هي تلك التي وقفت لتقول "لا"
وترفض الأوضاع السلبية القائمة، من الموظف الصغير الذي كشف
اختلاسات رئيسه إلى الطبيب النفسي في المصح، والذي فضل الانتماء
إلى عالم المجانين عن البقاء في عالم العقلاء. ويعتبر هذا المشهد
المحوري هو الخلاصة التي توصل إليها الفيلم.
العبث الذي بلغ في سرقة الهرم قمته،
يصل إلى منتهاه في الخبر الأخير الذي يذيعه التلفزيون عن سرقة مياه
النيل، حيث الإشارة إلى نتائج كامب ديفيد، وترك الحرية لإسرائيل في
استغلال مياه النيل لتروي الصحراء المحتلة، بينما تجف الأرض
المصرية وتتشقق من العطش.
المخرج مدحت السباعي (كتب السيناريو
والحوار أيضاً) لم يتجاوز الحقيقة والواقع كثيراً، عندما اختار هذه
الفكرة الخيالية ظاهراً، فقد نجح في معالجة موضوع مأساوي في صورة
هزلية ساخرة وضاحكة، فالمتفرج لا يكف عن الضحك طوال الفيلم، ولكنه
الضحك الساخر من هذا الواقع المعاش. فما سرقة الهرم إلا "نكتة"
يعرفها المتفرج تماماً، ولكنه يسير مع المخرج إلى النهاية متتبعاً
مصير هذه الشخصيات البسيطة في صعودها وهبوطها.
فيلم السباعي هذا، والذي سبق له أن
تناول فكرته في مشروع تخرجه من معهد السينما، يثير عدداً من
القضايا التي تؤرق الإنسان المصري في حياته اليومية، وذلك من خلال
مواقف درامية ذكية وساخرة.
ورغم كل هذه الإيجابيات التي ذكرناها،
إلا أننا لا يمكن أن نتناسى وجود عيوب وسلبيات كثير في الفيلم، وهي
نفس السلبيات التي نشاهدها في الغالبية من الأفلام المصرية، حيث أن
فيلم (وقيدت ضد مجهول) لا يختلف كثيراً عن الأفلام الأخرى، إلا أن
فكرته المبتكرة والجريئة، هي التي أتاحت للمخرج تفجير عدد من
القضايا الحيوية. |