اقترن الإنتاج السينمائي في مصر منذ البداية بأسماء سيدات مصريات،
كن الرائدات في هذا الحقل، وهن: عزيزة أمير صاحبة الفيلم المصري
الأول (ليلى ـ 1927)، وفردوس حسن التي أنتجت الفيلم الثالث في
قائمة السينما المصرية (سعاد الغجرية ـ 1928)، وآسيا داغر التي
أنتجت أول أفلامها (غادة الصحراء ـ 1929)، وبهيجة حافظ التي أنتجت
فيلم (الضحايا ـ 1932)، وفاطمة رشدي منتجة فيلم (الزواج ـ 1933)..
أما الفنانة أمينة محمد، فقد أنتجت فيلم (تيتاوونج)، وكان حالة
خاصة جداً.
كان ذلك في عام 1936، عندما قررت الفنانة أمينة محمد، بإرادتها
الحديدية، إنتاج أول فيلم مصري يعمل فيه فنانون هواة من الشباب،
ليأخذوا فرصتهم في مجال السينما، بعد أن اصطدمت بحلقات مجموعة من
السينمائيين، والمحتكرين لهذا الفن دون غيرهم.
عرض فيلم (تيتاوونج) في الخامس من مارس عام 1937، وهو يحمل الترتيب
الحادي والستين في قائمة السينما المصرية. وبالرغم من أن هذا
الفيلم قد أصبح من ضمن التراث السينمائي المنسي، إلا أنه ذو طابع
خاص وهام في تاريخ السينما المصرية. وتكمن أهميته وخصوصيته وقيمته
الكبيرة في أنه كان بمثابة معهد سينمائي وحقل تجارب تطبيقي لمجموعة
كبيرة من أصحاب المواهب الفنية، والذين لمعت أسماؤهم فيما بعد
وأصبحوا من مشاهير النجوم وكبار المخرجين وعمداء الفن السينمائي.
لذا دعونا نتعرف على صاحبة هذا الفيلم أولاً.. من هي أمينة محمد؟
وكيف دخلت مجال الفن والسينما؟ ولكي نفعل هذا لابد لنا ولأي متتبع
لمشوار أمينة محمد، أن نصادف اسمها مقروناً باسم الفنانة الكبيرة
أمينة رزق، ذلك بسبب القرابة أولاً، حيث أن أمينة محمد هي خالة
أمينة رزق، وثانياً لأنهما دخلتا مجال الفن متلازمتين، حيث تربتا
وعاشتا، منذ الطفولة، تحت سقف بيت واحد بمدينة طنطا، المدينة التي
يقام فيها مولد السيد البدوي كل عام، ويجتذب إليه الجماهير العريضة
من كافة أنحاء مصر.
في هكذا أجواء، تفتحت عيون الأمينتين الصغيرتين. فقد كان عالم
المولد، بما يقدمه من عروض السيرك وترويض الحيوانات والألعاب
الأخرى المتفرقة، كان هذا العالم بالنسبة للطفلتين عالماً مبهراً
ومثيراً، والأكثر إبهاراً بالنسبة لهما كان المسرح. فقد كان السيرك
يقدم ضمن برامجه مسرحيات ذات فصل واحد، يطلق عليها رسم الفصل
المضحك. وكانت هذه الإسكتشات التمثيلية هي أول صورة من صور المسرح
علقت بذهني الأمينتين منذ الصغر، إضافة إلى انبهارهما ـ بالطبع ـ
بالحلقات الأجنبية الصامتة التي كانت تعرض في دور السينما.
وبعد وفاة عائل الأسرة "الشيخ محمد رزق الجفري" والد أمينة رزق،
انتقلت الصغيرتان مع الأسرة إلى القاهرة. كان ذلك في أواخر
عام1918، حيث كانت أمينة محمد قد بلغت من العمر العشر سنوات وأمينة
رزق في الثامنة. وقد شهدت الأمينتان، القادمتان من طنطا المدينة
الآمنة، تلك الحياة الجديدة الصاخبة بالمظاهرات والاشتباكات
الطاحنة عند اندلاع شرارة ثورة 1919، وكانتا قد التحقتا بمدرسة
"ضياء الشرق" الابتدائية بحيّ عابدين. وشاركتا أيضاً في المظاهرات
مع تلميذات المدرسة ورددتا الشعارات الثورية. كما صادف أيضاً أن
نشدتا نشيد سيد درويش "مصرنا وطننا" أمام الزعيم سعد زغلول في بيت
الأمة، وذلك بمناسبة عودته من المنفى عام 1924، وقد غمرهما الزعيم
وقرينته أم المصريين بالقبلات.
وفي عام 1922، حين بلغت الأمينتان الرابعة عشرة والثانية عشرة،
اعتليتا خشبة المسرح كمنشدتين في فريق الكورال بفرقة علي الكسار
المسرحية، أثناء إحيائها موسم الصيف على أحد مسارح روض الفرج. كان
ذلك عندما انتقلت الأسرة للسكن في شاطئ روض الفرج، والذي يعتبر
الرئة الثانية لأهل القاهرة يلجئون إليه في الصيف لمشاهدة الفرق
المسرحية التي كانت تقدم عروضها على شاطئ النيل ، كفرقتي الريحاني
والكسار. |