يعتبر فيلم (امرأة الملازم الفرنسي ـ 1981) من بين الأفلام
المتميزة والمهمة في تاريخ السينما الأمريكية، خلال عقد
الثمانينات.. قام ببطولة هذا الفيلم كل من الأمريكية "ميريل ستريب"
والبريطاني "جيرمي إيرونز".. وقد شارك الفيلم في أكثر من مسابقة
للأفلام، فحصل على جائزة أحسن ممثلة (ميريل ستريب) في كل من مهرجان
الأكاديمية البريطانية، ومهرجان الكرة الذهبية.. ورشحت "ميريل
ستريب" كأحسن ممثلة لمهرجان جوائز الأوسكار، إلا أن الممثلة
الكبيرة "كاترين هيبورن" قد خطفت الجائزة منها عن دورها في فيلم
(فوق البحيرة الذهبية).. وللعلم فقط، بأن "ميريل ستريب" قد نالت
مليون دولار عن دورها في هذا الفيلم.
وتكمن أهمية فيلم (امرأة الملازم الفرنسي) في بنائه الدرامي
الزمني، متأثراً بالطبع بما استحدثته "الموجة الفرنسية الجديدة" في
نهاية الخمسينات من تغييرات هائلة في أسلوب استقبال الأحداث في
شرائح منفصلة تنتمي كل منها إلى زمن مختلف بحيث يختلط الحاضر
بالماضي في بناء عضوي واحد ومتماسك لا يرتبط بتدفق أو ترتيب زمني
منطقي. وكان هذا بحق، ثورة حقيقية في تكنيك البناء الدرامي للفيلم،
وبالذات فيما يتعلق بالنظام الزمني فيه.. وبالتالي ليس بغريب أن
يتأثر كاتب مسرحي وسينمائي إنجليزي كبير مثل "هارولد بنتر" بهذه
الموجة الجريئة في تكوين زمن الفيلم على النحو الذي شاهدناه في
فيلم (امرأة الملازم الفرنسي)، عندما كتب السيناريو له عن رواية
للكاتب الإنجليزي "جون فادلر".
وقد نجح "هارولد بنتر" بالفعل في تقديم سيناريو جيد وبسيط، تلك
البساطة التي تتطلب قدراً هائلاً من البراعة الحرفية في صياغتها،
بحيث تحقق الدقة والتداخل والإحكام.. كما كانت خبرة المخرج
الإنجليزي "كاريل رايز" وراء نجاح تجسيد كل ذلك بالصورة الحية
القوية والرائعة.
في فيلم (امرأة الملازم الفرنسي) نلاحظ تنقلاً سريعاً ومتداخلاً
بين أحداث تقع في الحاضر وأخرى حدثت في الماضي.. أي أن هناك زمنين
واضحين تماماً في الفيلم، وهذا بالطبع ليس بجديد في السينما، إنما
الجديد والمثير للارتباك نوعاً ما، في هذا الفيلم بالتحديد، هو
أننا نشاهد أحداث الزمنين من خلال نفس الشخصيات، بينما يفصل بينها
أكثر من مائة عام.. وقد يبدو التفسير بسيطاً، فالفيلم يحرص في أول
لقطاته على توضيح ذلك، حيث نشاهد فيلماً سينمائياً يُجرى تصويره في
الوقت الحاضر، وفي مونتاج متناغم ومنطقي، ننتقل من مشهد لمجموعة
العمل في الفيلم ومشهد آخر من الرواية التي تحدث في الماضي.. أي
أننا نشاهد الممثلَين "مايك" و"أنا" وهما يؤديان دوريهما "شارلز"
و"سارة".. وهذا التفسير من المخرج ليس كافياً، بل أن المسألة في
هذا الفيلم تبدو أكثر تعقيداً من هذا التبسيط، حيث يلجأ "هارولد
بنتر" و"كاريل رايز" في بناء فيلمهما إلى عنصر التغريب أو التباعد،
بهدف تناول الفيلم بوعي وكسر الإيهام بين المتفرج والأحداث حتى لا
يتوحد مع الشخصيات.. وفي مقابل ذلك يقوم بناء الفيلم على التوحد
الكامل بين الممثل والشخصية التي يؤديها.. فنحن لا نستطيع التمييز
بين "مايك" و"شارلز" ولا بين "أنا" و"سارة"، فقصة الحب التي
تربطهما في الحاضر تكاد تكون امتدادا عضوياً لقصة الحب التي
يمثلانها في الماضي، وليس المشهد الذي يظهرهما وهما يتدربان على
أداء مشهد معين، ومن ثم القطع الذكي إلى نفس هدا الموقف ولكن كما
يحدث في الماضي.. هذا المشهد ليس إلا إشارة واضحة إلى هذا التوحد
بين الحاضر والماضي، وبين الممثل والشخصية، وهو إيهام للمتفرج من
ناحية بأن الممثل هو الشخصية نفسها، وإن عليه كمتفرج أن يحاول
الفصل بينهما، ومن ناحية أخرى هو إيهام للممثل نفسه بأنه يعيش
القصة التي يمثلها، فيما يسمى بالتقمص. |