(أحلام المدينة) فيلم يخلو من قصة تقليدية،
تعتمد الدراما فيها على البداية + العقدة + النهاية.. إنما يكمن
العنصر الدرامي في مجموعة الأحداث والحالات التي يربطها خيط واحد.
وبالرغم من أن المشهد يظل في مظهره الخارجي على درجة من البرود،
إلا أن النار تتلظى فيه من الداخل.. فكلما زاد عدد المشاهد، نزداد
شوقاً وتعلقاً بالفيلم لمعرفة الأكثر.
إننا في (أحلام المدينة) أمام مخرج يقدم »سينما المؤلف«.. إنه شاعر
وناقد اجتماعي، فهو يمس التحولات الخطيرة ـ التي مرت بها البلاد ـ
مساً رقيقاً، ويتعامل بالدرجة الأولى مع الوجه الإنساني، فنراه
يعبر من خلال رفة العين.. حركة الشفة.. الهمسة.. الذوبان في
اللحظة. وفي نفس الوقت، ففيلمه يحمل نفس وحس تسجيلي، باعتباره
يستند إلى أحداث حقيقية ويحاول إعادة بنائها من جديد وبرؤية واعية
للأحداث وفي شكل سينمائي جديد وشاعري. وبالرغم من أن محمد ملص قد
اعتمد في فيلمه هذا على الأحداث السياسية والتاريخية، إلا أنه لا
يبدو في شكل مؤرخ فالواقع التاريخي عنده لا يظهر كواقع، بل بما خلف
هذا الواقع من انطباع في نفسيات شخصياته.
ويؤكد محمد ملص، في حديث صحفي ، بأن قصة الفيلم والأحداث التي مرت
بالطفل ديب، عرفها هو في طفولته. بل أنه تعمد ـ أيضاً ـ أن يقوم
بالتصوير في بعض الأماكن الحقيقية التي تركت بصماتها على طفولته.
فأعاد زخرفة ديكور البيت، الذي عاش فيه ووالدته وشقيقه وجده
العجوز، مثلما كان في الخمسينات، مما جعل الماضي يبدو وكأنه قد عاد
حياً من جديد، يلهب ويلهم ذاكرة المخرج بأرق وأقسى المشاعر
والذكريات.
ولا يمكن أن ننسى الإشارة إلى أن تعاون محمد ملص مع مدير التصوير
التركي »أردغان أنجيني«، قد أعطى للفيلم فرصة أكيدة للوصول به إلى
هذا المستوى الفني الرفيع. فأنجين هذا هو مصور الفيلم التركي
الشهير (الطريق
YOOL)،
الذي نال نصف الجائزة الكبرى في مهرجان كان السينمائي عام 1982.
وإصرار محمد ملص على استقدامه لتصوير فيلم (أحلام المدينة) لم يكن
عبثاً، بل كانت النتيجة مذهلة. فالصورة عند أنجين ليست صورة عادية،
بل هي صورة قوية ذات إسهام في التعبير الدرامي الذي يريده المخرج،
إضافة إلى الدور الدرامي الذي لعبته الإضاءة والتي اختارها أنجين
بشكل جميل ومتميز يعكس عوالم الأحداث والشخصيات.
هذا هو فيلم (أحلام المدينة).. فيلم من الصعب الكتابة عنه كما يكتب
عن أي فيلم تقليدي.. حيث تظل مشاهدة الفيلم أقوى وأهم بكثير من أي
كتابة. |