"أن تكون هناك" هو اسم الفيلم الأمريكي الذي أخرجه "هال أشبي"،
وقام ببطولته الممثل الكبير "بيتر سيلرز"، في آخر أفلامه الكوميدية
وأهمها. انه حقا، فيلم هادئ ومتميز، استطاع الخروج من نمط الأفلام
الأمريكية الكثيرة، التي تهدف إلى تكريس صورة السوبرمان الأمريكي،
مستخدمة في ذلك كافة الوسائل والأساليب التقنية والفنية، كما أن
تميزه هذا يستمده من كونه نجح، وبشكل مقنع وسلس، في نزع ذلك القناع
عن الوجه الحقيقي للمجتمع الأمريكي بعيدا عن كل زيف.
يتحدث الفيلم عن "تشانس"، ذلك الرجل البسيط الذي عاش طوال حياته
منعزلا عن العالم الخارجي، أمضاه يعمل كبستاني أجير في أحد
المنازل، لم يكن لديه فيه من اهتمامات سوى الاعتناء بحديقة المنزل
ومشاهدة التلفزيون إلى درجة الهوس، باعتباره النافذة الوحيدة التي
يطل منها على العالم. يضطر هذا الرجل لترك عمله هذا ومغادرة
المنزل، بعد وفاة المالك، بناء على طلب مصلحة العقارات.
من هنا يبدأ، هذا الرجل، مشواره الصعب في التعامل مع المجتمع
الأمريكي الصاخب والمناقض لطبيعته الهادئة والبسيطة. فيهيم في
الشوارع ماشيا، دون وجهة محددة، حيث يمر ببعض المواقف التي تؤكد
عدم معرفته ومقدرته علي التعامل مع هذا المجتمع الجديد عليه. إلى
أن يتعرض لحادث بسيط من سيارة، تصر صاحبتها الثرية على نقله إلى
قصرها، لفحصه من قبل الطبيب الذي يشرف مع طاقم من الممرضات على صحة
زوجها الثري الذي يحتضر. في القصر، ينشد الجميع لهذا الرجل وذلك
لسلوكه غير المألوف، وهو يواجه حياة القصر الجديدة والبروتوكولات
الأرستقراطية. فترتاح سيدة القصر لوقاره وهدوئه، أما زوجها المريض
(راند) فينشد إلى الغموض الكامن - كما يعتقد - وراء أجوبته
المقتضبة، دون أن يكون قادرا بحكم انتمائه الطبقي وموقعه البارز
علي خارطة الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي، علي تمييز المنبت الطبقي
البسيط، لهذا الرجل. الأمر الذي جعله يتعامل مع تلك التلقائية
والعفوية على أنهما ينمان عن شخصية بارزة، لا تريد أن تفصح الكثير
عن جوانبها.
وبهذا التحليل الخاطئ من قبل الرأسمالي العجوز لشخصية "تشانس"،
وباقتناع الجميع - بدون تردد- بهذا التحليل، تتكون شخصية وهمية
جديدة لهذا الرجل البسيط، تصاحبها - أيضا- الكثير من المفارقات
الاجتماعية والكوميدية التي تحدث بسبب عدم فهم الجميع له، وتفسير
كل كلمة ينطقها تفسيرا خاطئا، ينبني- أساسا- علي نمط الشخصية
الجديدة.
تتوطد العلاقة بين المليونير "راند" وصديقه البستاني "تشانس"، ويصر
على أن يعتمد عليه في الكثير من مشاريعه الاقتصادية وحياته
الاجتماعية، حتى تصل إلى أن يدعوه لأن يكون معه عند استقباله
للرئيس الأمريكي في القصر.
وفي أثناء هذا اللقاء مع الرئيس الأمريكي، يساء فهم "تشانس" مرة
أخرى. حيث كان النقاش بين الرئيس ومضيفه حول مستقبل الاقتصاد
الأمريكي، يقابله عدم اكتراث من قبل "تشانس" لجهله بهذه الأمور،
ولكنه يفاجأ ويصاب بالارتباك، عندما يسأله الرئيس عن رأيه. ومع
ذلك، فهو يجيب بهدوئه المعتاد، الذي يفسره الآخرون علي انه دلالة
أكيدة علي رصانة في الرأي. فيقول مستفيدا بخبرته كبستاني: "هناك
فصلان رئيسيان، الشتاء والربيع. لنثر البذور في الشتاء حتى تطلع
الأزهار في الربيع ".
وطبعا يثير، رأي "تشانس" استغراب واستهجان الرئيس، إلا أن صديقه
"راند" يسارع إلى تفسير جوابه بأنه علينا أن نتحمل الكثير في سبيل
إرساء دعائم سياستنا الاقتصادية الجديدة من الآن، حتى نتمكن من جني
ثمارها فيما بعد". هنا يعتبر الرئيس هذا الكلام، بمثابة نظرية
جديدة في الاقتصاد، فيستشهد بها في خطابه إلى الأمة، ويتحدث إلى
الكونجرس عن رأي "تشانس" من انه لابد لكل حديقة من بستاني. |