الكاميرا في الشارع
تتميز أفلام محمد خان بخاصية المتعة السينمائية،
وإن تفاوتت من فيلم إلى آخر، وذلك لأن أهمية
تجربته تكمن في أنه يتناول في أفلامه الشخصيات
العادية البسيطة والمهن الشعبية، والتي يتجاوزها
غيره من المخرجين. وحتى لو تناولوها فإنهم
يلامسونها سريعاً وبشكل سطحي غير عميق. وذلك
لسببين، إما لعدم امتلاكهم للإمكانيات الفنية
الكافية لمعالجتها، أو لأنهم لا يمتلكون الجرأة
الفنية للنزول بكاميرتهم إلى الشارع.
أما محمد خان، فهو يلتقط الشخصية التي غالباً ما
تستوقفه من الشارع ليعيد صياغتها وتطويرها في
مخيلته، محملاً إياها إسقاطات وإيحاءات وأبعاد
إنسانية واجتماعية عميقة، ومن ثم إضافة الرؤية
والفكر الخاص به والعاكس لما يختمر في ذاته.
يساعده في ذلك عشقه للتصوير في الشوارع والأماكن
الطبيعية.. فهو الذي جسد عشقه لشوارع القاهرة من
خلال متابعته لمغامرات بطله الصحفي في أول أفلامه
(ضربة شمس)، لدرجة أنه أصر على تصوير مشهد كامل
ومعقد في مطعم قريب من سينما مترو، بالرغم من
استعداد المنتج لبناء نفس المقهى في الأستوديو ..
(قلت لا سأصور هناك حيث كنت أذهب وأتناول العشاء
مع والدي ونذهب إلى السينما، لقد عنى ذلك شيء مهم
بالنسبة لي (...) أنا أحب المدينة، لقد ولدت ونشأت
في وسط المدينة، وأحب أن أصور في الأماكن التي
أتذكرها، أو التي كنت قد زرتها !!)*
وهو الذي جعل من حياة سائق تاكسي موضوعاً
سينمائياً، وخلق جواً خاصاً في تنقله بين الطرق
الطويلة المتميزة بين المدن في فيلم (طائر على
الطريق).. وانتقل في فيلمه (موعد على العشاء) إلى
الشوارع الخلفية والجانبية ذات الملامح الخاصة
بالإسكندرية.. وأثبت عشقه للقاهرة بحواريها
وأزقتها الضيقة متناولاً لعبة كرة الشراب الشعبية
في فيلم (الحريف).. واستغل جو المطاردات في فيلمي
الثأر، نصف أرنب لتصوير مشاهد لمناطق جديدة في
القاهرة لم يسبق أن شاهدناها في الأفلام المصرية..
وتابع رحلة عطية وعمر لتصوير الريف المصري في
فيلمي خرج ولم يعد ، مشوار عمر.. وقدم عالم
الخادمات وجسد إحباطاتهم في فيلم (أحلام هند
وكاميليا). إنها حقاً مهمة صعبة وتجربة فنية
مثيرة، جسدها محمد خان من خلال أفلامه. صحيح بأن
هناك البعض من المخرجين المصريين ممن قدموا
المدينة في أفلامهم، إلا أن محمد خان تميز عنهم
بأنه قد أعطى للمدينة شخصية مستقلة وشكلاً خاصاً
وجديداً، هذا لأنه قد أدرك الكيفية التي تستطيع أن
تلعب المدينة فيه دوراً درامياً فعالاً وهاماً،
بدل بقائها كخلفية فقط للحدث الدرامي.
هذا هو أسلوب محمد خان الفني، ذو اللغة السينمائية
المركزة للتعبير عن مواقف وأحداث خارجة عن كل
تقليد.. ميدانه المدينة والواقع، وخياله مستمد
منهما، يصيغهما في إطار تقنية جديدة ومبتكرة،
وفرتها له ثقافته السينمائية الغربية.
|